مشاري الذايدي يكتب:
كلها «تفحيط» مهلك
كل المغيبات العقلية، موجودة منذ القدم. وأهلها أيضًا لهم هذا الوجود القديم. غير أن الجديد هو توفر منصات ومنافذ عامة لهم، تنقل لحظات تجليهم، وأفكارهم العصماء، للناس كافة بلمسة زر. وحين يغيب عنه بخار المخدر يدرك أي حفرة وقع فيها. لحظتها، إذا فات الفوت ما ينفع الصوت.
المشكلة تكمن في أن يصدق هذا المخبول نفسه فيما بعد، بسبب تفاعل الناس معه، ولو من باب الظرافة والاستسخاف، فيزيد كل مرة في العيار، وينوع في الاستهبال، حتى يصل إلى نقطة اللاعودة. الأمر لا يقتصر على من ينشطون، ويسجلون مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، بل في ظاهرة أخرى مستفزة وخطيرة، وهي التهور الفعلي المادي، من خلال ما يسمى إرهاب الشوارع. وكثيرًا ما عانى الناس العقلاء من هؤلاء المتهورين الذين يقودون سياراتهم بجنون وهمجية، مسببين الموت، أو قريبًا من الموت، لأنفسهم ولغيرهم. وفي بعض الحالات يتضح أن قائد السيارة كان تحت تأثير المخدر، أو تحت تأثير الاستهتار العقلي المراهق.
بخصوص الظاهرة الأخيرة وهي موجودة في كل الأقطار العربية، أعني إرهاب المرور والشوارع، ربما كان من الجيد وضع عقوبة منصوص عليها لمن يقود سيارته وهو تحت تأثير المغيبات العقلية، من حشيش أو خمر، وغير ذلك. صحيح أن كل هذه الأشياء ممنوعة قانونياً على الجميع ربما في كل أمم الأرض، لكن هذا المنع لم يلغِ وجودها، ووجود من يتعاطاها.
وإذا عرف السائق لسيارته وهو مخمور، أو محشش، أن هناك عقوبة خاصة ومغلظة تنتظره، ربما كان ذلك رادعًا له، أو على الأقل تكون هذه العقوبة الخاصة المغلظة مخفِفة من هذه الظاهرة القبيحة والخطيرة. لكن الأدهى هو أن خطر الكلام، أو الفعل، تحت تأثير المغيبات العقلية يمتد من العقول إلى الأيدي والأرجل. من شاشات الهواتف الجوالة إلى عجلات السيارات.. كل ذلك هو تفحيط مهلك يتضرر منه المجتمع. العقل نعمة، ومن يريد أن يفقد هذه النعمة فهذا قراره الخاص.
ولكن يجب ردع من يريد أن يفقد الآخرون معه عقلهم، أو أمنهم الاجتماعي، أو أمنهم الحياتي في الشوارع. من أراد الهلاك فليهلك بنفسه، لا أن يهلك معه الآخرين. عن / الشرق الاوسط