صالح القلاب يكتب:

لـ«ضمانه» أمن إسرائيل... نتنياهو وراء إنقاذ الأسد ونظامه!

عندما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويكرر هذا القول أكثر من مرة بأن نظام الأسد الأب والابن قد وفر الضمان لأمن إسرائيل على الجبهة الشمالية، أي جبهة هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1970 وحتى الآن، فإن هذا «يفسر» كيف أنَّ مستجدات الأزمة أو الكارثة السورية بقيت تتلاحق وتتابع إلى أنْ أصبحت قوات هذا النظام البائس تقرع أبواب مدينة القنيطرة بعدما حطمت أبواب درعا ولكن بقذائف المدافع الإيرانية وبقنابل القاصفات الاستراتيجية الروسية، بينما الإسرائيليون على بعد أمتار قليلة يفركون أكفهم بعضها بعضاً فرحاً وتشجيعاً... و«ليذهب المعارضون ومعهم معارضتهم إلى الجحيم»!!
وحقيقة أن هذا ليس جديداً ولا هو بعد الانتفاضة الشعبية السورية في عام 2011، إذ إن المعروف إلا لمن هم مصابون بحولٍ سياسي أبدي أن حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع، عشية انقضاضه على حكم البعث في وصلته الثانية بعد فبراير (شباط) عام 1966 وانتزاعه وبالقوة من بين أيدي رفاقه، قد أصدر بياناً على لسان عبد الحليم خدام أعلن فيه سقوط مدينة القنيطرة ومعها هضبة الجولان كلها قبل سقوطها بيومين وهذا كانت إسرائيل قد اعترفت به للأمم المتحدة في وقته مما يعني أن هذه المنطقة الاستراتيجية قد سُلِّمت للإسرائيليين تسليماً وبلا أي قتال ولا مواجهة فعلية.
كانت عملية «عيلبون» التي كانت البداية لانطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة في الفاتح من عام 1965 قد تمت بقيادة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، رحمه الله، بالانطلاق من هضبة الجولان هذه في اتجاه مدينة الناصرة بالقرب من بحيرة طبريا مع أنَّ بلاغها «رقم 1» كان قد أعد في بيروت ويومها كان قد مرَّ على حكم حزب البعث نحو عامين وكان حافظ الأسد في بدايات مشواره لانتزاع الحكم من أيدي رفاقه وكان هناك «شيء» اسمه: «القيادة القومية» التي كانت داعمة ومؤيدة لـ«الكفاح المسلح» ولثورة الفلسطينيين على غرار الثورة الجزائرية التي كانت حررت الجزائر بثمن باهظ يقدر بمليون ونصف المليون شهيد بعد استعمار فرنسي ظالم كان قد تواصل لمائة واثنين وثلاثين عاماً وكان أسوأ استعمار عرفته البشرية.
لقد كانت تلك هي البداية للعمل الفلسطيني المسلح ضد إسرائيل عبر هضبة الجولان التي غدت محتلة بعد حرب يونيو (حزيران) عام 1967 لكن ما إن كانت هناك حركة فبراير عام 1966 التي أنهت حكم «القيادة القومية» ووضعته في أيدي مجموعة من العسكريين على رأسهم اللواء صلاح جديد الذي كانت نهايته الموت البطيء في إحدى زنازين سجن المزة المعروف ومن بينهم حافظ الأسد الذي بدأ يلمع نجمه والذي ما لبث أن انتزع الحكم من أيدي رفاقه في عام 1970 فيما يسمى «الحركة التصحيحية» حتى تغيرت الأمور وأصبح عبور الفدائيين الفلسطينيين لهذه الهضبة في اتجاه فلسطين المحتلة ممنوعاً ومحرماً حتى على تنظيم الصاعقة التابع لحزب البعث.
وهكذا وحتى عندما لا يزال حافظ الأسد وزيراً للدفاع في سوريا وقائداً لسلاح الجو السوري ولم يقم بعد بحركته التصحيحية في عام 1970 فإنه قد أصدر «تعميماً» عسكرياً من 26 نقطة منع بموجبه استخدام الملابس العسكرية الفدائية على الأراضي السورية ومنع الانطلاق بأي عمل مسلح ضد إسرائيل لا من هضبة الجولان التي غدت محتلة بعد عام 1967 ولا من غيرها وذلك ضد رغبة ما من المفترض أنهم رفاقه في الحزب وفي النظام من الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة وصلاح جديد الذي كان يعتبر الرجل الأقوى في الحزب وفي الدولة.
وعليه فإن أبواب السجون السورية وفقاً لهذا «التعميم» قد أطبقت في السنوات اللاحقة، أي بعد احتلال هضبة الجولان في عام 1967 على المئات من الفدائيين الفلسطينيين الذين حاولوا القيام بعمليات عسكرية عبر هذه الهضبة وفيها الذين ينتمي بعضهم إلى «منظمة الصاعقة» التي كانت تابعة لحزب البعث وكانت تعتبر منظمة سورية.
لقد بقيت هضبة الجولان حتى بعد احتلالها في عام 1967 وحتى بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) في عام 1973 وعملياً حتى الآن محرمة على الفدائيين الفلسطينيين وأيضاً على أي عمل مسلح وذلك في حين أن الضغط في هذا الاتجاه وخاصة في ستينات وسبعينات القرن الماضي كان يتركز على الأردن وعلى لبنان وكانت حجة نظام الأسد في عهد الأب وفي عهد الابن أنه لا يجوز جر سوريا إلى مواجهة مع «العدو الصهيوني» قبل أوانها... وحقيقة أن هذا الأوان لم يأتِ بعد حتى بعد كل هذه السنوات الطويلة وهو قد لا يأتي أبداً ما دام بقي هذا النظام وبقي على رأسه بشار الذي بهذا الخصوص هو سر أبيه بالفعل!!
وحتى بالنسبة للوجود العسكري الإيراني في هذا البلد العربي فإن آخر ما صدر عن طهران على لسان مستشار الشؤون الدولية لقائد الثورة الإسلامية علي أكبر ولايتي خلال وجوده في روسيا قبل بضعة أيام هو أن وجود إيران في سوريا لا علاقة له بإسرائيل، وحقيقة أنَّ هذه مسألة معروفة ومؤكدة، وأنَّ هذا الوجود، الذي تمثل بأكثر من سبعين ألفاً من المقاتلين الإيرانيين بالإضافة إلى الكثير من الميليشيات الطائفية الإيرانية والأفغانية والعراقية، هو لمواجهة الثورة السورية وللحفاظ على نظام بشار الأسد الذي أكد بنيامين نتنياهو أنه بقي الضامن للأمن الإسرائيلي في هضبة الجولان على مدى كل هذه السنوات الطويلة منذ عام 1970 وحتى الآن... حتى هذه اللحظة وهنا فلعل ما هو واضح ومؤكد ولا خلاف عليه هو أنَّ إسرائيل باعتبارها لاعباً رئيسياً في الأزمة السورية هي من أبقت على هذا النظام الدموي وعلى رئيسه.
ثم وإنه ما كان من الممكن أن يكون هناك كل هذا التدخل الإيراني وبكل أشكاله المتعددة هذه لو لم تكن إسرائيل راغبة في هذا التدخل ولو لم تكن للإسرائيليين مصالح استراتيجية فيه وأهم الأدلة في هذا المجال هو أن الروس كانوا وما زالوا يساندون هذا التدخل لأنه في مصلحتهم أيضاً ولأن روسيا فلاديمير بوتين تعتبر أن بنيامين نتنياهو هو أكبر حليف لها في هذه المنطقة، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة إنْ في هذا العهد وإنْ في العهد الذي سبقه لا بل وفي كل العهود تعتبر أن الدولة الإسرائيلية هي الثابت الوحيد في الشرق الأوسط وأنه لا يمكن الاعتماد فعلياً على غيرها.
وهنا فإنه من المفترض أنْ لا خلاف عليه هو أن ما كان من الممكن أن تلعب روسيا كل هذه الأدوار الفاعلة والمصيرية في سوريا من دون رضا إسرائيلي وموافقة إسرائيلية وأنه ما كان من الممكن أن تكون هناك مناطق «خفض التصعيد» هذه التي كانت ولا تزال تشكل أكبر مؤامرة على الشعب السوري والثورة السورية لولا أن إسرائيل تعد يداً طولى في هذه المؤامرة الخطيرة ولولا أن الإسرائيليين يعتبرون أن هذه الثورة تشكل خطراً عليهم بمقدار الخطر الذي تشكله على النظام الأسدي فالأمور في هذا المجال باتت واضحة ومعروفة وإلا ما معنى أن تصمت تل أبيب كل هذا الصمت إزاء ما جرى مؤخراً في الجهة الجنوبية وإزاء استهداف جيش النظام السوري لمدينة القنيطرة المطوقة بالقوات الإسرائيلية من كل جانب بحجة أن فيها مجموعات إرهابية.
فماذا يعني هذا كله..؟!
إنه يعني أن من حقق لنظام بشار الأسد كل هذه «الانتصارات»!! وأبقاه في سدة الحكم حتى الآن ليس الروس ولا الإيرانيين وإنما إسرائيل بل بنيامين نتنياهو الذي أثبت فعلياً وعملياً أنه اللاعب الرئيسي في هذه الأزمة وأنه لا توجد تعقيدات ولا حلول من دونه وهذه طامة كبرى ما دام أن الأوضاع العربية بصورة عامة هي هذه الأوضاع المأساوية.
وهذا يعني، إذا أردنا قول الحقيقة، أن إسرائيل إنْ هي أبقت على نظام بشار الأسد وحافظت عليه، على اعتبار أنه بقي «حارساً أميناً»!! لأمنها خلال كل هذه السنوات الطويلة، فإنها ستبقى الرقم الرئيسي في هذه المنطقة ولسنوات طويلة.
*الشرق