مشاري الذايدي يكتب:

«بعث» سفر الحوالي!

عاد اسم د. سفر الحوالي، للأضواء من جديد، بعد «الحملة» التي صاحبت الكتاب «الهائل» الحجم، المنسوب إليه بعنوان «المسلمون والحضارة الغربية» بصفحاته التي تجاوزت ثلاثة آلاف!
وجه الغرابة هو أن الحوالي مصاب بجلطة في الدماغ، تعرّض لها منذ 2005 وأثرت عليه، مثل غيره من البشر ممن يُبتلون بمثل هذا البلاء.

كيف تسنّى له الإسهاب في استعراض التحولات السعودية، خاصة، والعربية عامة، وتعريضها لأشعة x الصحوية من مختبرات جماعات الإسلام السياسي، بنسختها القطبية السرورية؟!
بكل حال، من خلال القطوف التي تمّ الاطلاع عليها، فإن هذا النوع من التفكير والتحليل منسجم مع التاريخ السياسي والفكري الخاص بسفر الحوالي. ومن السائغ جداً أن يكون قد استعان بفريق من الباحثين المساعدين، أخذاً في الاعتبار أن له تجربة تأليف من خلال فرق عمل، كما جرى له في مشروع تحقيق وشرح كتاب «الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح» لابن تيمية، وكان عمله حينذاك، قبيل مرضه، يجري من خلال مركز دراسات وجمع من الباحثين.

لا جديد بمجلدات الحوالي الضخمة. هي استعادة حديثة لما كتبه وحاضر به ووعظ في مسجده بجدة أو داره في مكة أو محاضراته الشهيرة بجامع «أم الحمام» بالرياض في ذروة الحرب التي خاضتها البلاد ضد غزو صدام للكويت 1990.
سفر الحوالي مثّل رأس الحربة النظرية للتيار السروري السعودي، وهو من التلاميذ المقرّبين لمحمد قطب، شقيق سيد قطب. حاول توطين نظريات سيد قطب بالبيئة المحلية السلفية من خلال شرحه على كتاب العقيدة الطحاوية وغيرها من المحاولات. أتذكر في حرب غزو صدام للكويت كيف اندلعت موجات من الاحتجاجات، بعضها من منطلق «قومي» عروبي، وبعضها يساري، وأكثرها، وهذا هو المهم، من منطلقات الإسلام السياسي، وكان رموز ما تسمى «الصحوة» في السعودية، هم قادة المشهد، وتحدث أمثال الدكتور سفر الحوالي، وغيره، بالكثير تحذيراً وتخويفاً من هذا التحالف الدولي، وحقيقة نياته، وكان الظرف دقيقاً وحساساً.
ما يرسخ في الذاكرة -الكثير منه مدوّن على الإنترنت- مقاربات الحوالي عن الأزمة، حيث اختار أن يلج لحدث سياسي ضخم من بوابة الدين والمقدس، فاختار بعض النصوص، من مدونة تراثية هائلة، ليُسقطها على الواقعة المحددة، واقعة غزو صدام للكويت، وجعلها مقدمة لآخر الزمان، وحديث الملاحم القيامية.

كان مما استند إليه الحوالي آنذاك، الحديث عن الروم. والروم في نظره هم كل أوروبا وأميركا، وربما أستراليا ونيوزيلندا، بصرف النظر عن المعنى التاريخي المحدد للروم «البيزنطيين». 
لم يحدث شيء مما هوّل به الشيخ سفر، وكل تيار الصحوة معه، لكن هذا الإخفاق في التوقع، لم يحدث لحظة مراجعة للذات والتفكير، بل تم تجاوز اللحظة، والانشغال بما يليها، بنفس الآليات التحليلية، وبنفس المقاربات، وكأن شيئاً لم يكن!
اليوم انضاف إلى جمهور (سفر) قنوات قطر، ومنصات الإخوان العالمية، وأصدقاؤهم من اليسار.
ما أشبه الليلة بالبارحة.
الشرق