د. علوي عمر بن فريد يكتب:

السخرية السوداء في اليمن !!

النكتة في اللغة تعني الفائدة وعندما نرويها نضحك الآخرين ونفيدهم لانشراح صدورهم وتفريج همومهم ،وهي وسيلة للتنفيس عن التعبير عن الأفكار الممنوعة المكبوتة !!

وهي تعبير عن الألم والمعاناة التي يتجرعها المواطن أينما كان وهي السخرية السوداء التي تعبر عن النقد الاجتماعي اللاذع الذي يتعذر تمريره عبر وسائل الإعلام !!

والنكتة السياسية تعتبر احد أهم أشكال المقاومة الثقافية في مجتمع يعاني من الاحتقان والاضطهاد والظلم بكافة أشكاله !!

والنكتة كما يقول " هنري برجسون " هي محاولة قهر القهر وهتاف الصامتين .. إنها نزهة في المقهور والمكبوت والمسكوت عنه " .

والنكتة لها عدة وظائف منها : التسلية والتواصل والنقد , وتتطرق النكتة إلى الفقر والفساد والتسلط وضبابيه المستقبل ،وهي سلاح الضعفاء خلال الأزمات , وهناك علاقة طردية بين النكتة وحرية الرأي والتعبير , إذ كلما ضاقت مساحة حرية التعبير في المجتمع ،ازداد انتشار النكتة وتداولها .. ولكن الفرق بيننا وبين العالم الغربي المتحضر أنهم يتقبلون النكتة بأريحية وترحاب شديدين نظرا لديمقراطية أنظمة الحكم.. ومساحة الحرية المتاحة لشرائح المجتمع وأجهزة الإعلام للتعبير والنقد بحرية مطلقة دون مواربة ولا مجاملة لأجهزة الدولة من قمة الهرم إلى قاعدته !!

وقد أشار الجنرال شارل ديغول رئيس فرنسا الأسبق إلى ذلك فقال : كان أكثر ما يزعجني أن النكتة السياسية أو الرسوم الكاريكاتورية لم تعره أي اهتمام في أواخر حكمه فقال : لقد فقدت شعبيتي في فرنسا فانا لا أرى نفسي في الرسوم الكاريكاتورية ولا اسمع اسمي في النكتة التي تنتقدني !!.

ويرى علماء الاجتماع وعلماء النفس : أن النكتة تعتبر دليلا على حيوية الشعب واهتماماته ورغبته في تجاوز الأمر الواقع وعدم الاستسلام له !!

واغلب النكت السياسية ذات السخرية السوداء موجهة ضد القائمين على أمورنا من أعلى الهرم إلى قاعدته حيث يوجه الشعب رسائل مشفرة ينفسون بها على أنفسهم بوضعهم في إطار مضحك !!

وفي اليمن راجت النكت السياسية وانتشرت مع اشتداد أوجاع الناس بسبب الحروب والأزمات التي تطحن كافة شرائح الشعب اليمني فأخذوا يصنعون النكات والأخبار الطريفة التي تخرجهم من دائرة الآلام والأوجاع اليومية وقسوة الحياة وبطش الأنظمة التي تحكمهم !!

وعادة ما يتناقل عامة الشعب اليمني النكتة فيما بينهم لتصبح سلاح المقهورين الذين لا يجرؤون على التعبير عن معاناتهم وضيق العيش سوى بسلاح النكتة وعادة ما تكون رمزية متوارية ومحبوكة بدقة عالية ساخرة من الوضع العام .

ومن النكت التي تناولت شخصية الإمام احمد حميد الدين : أن الإمام كان يرد على منتقديه ومنتقدي حكمه بالقول : " أتم البوري حقي ومن بعدي شالط على مالط " !!

والمقصود أن الإمام احمد الذي كان يدخن( المداعة ) – الارجيلة – كان يعتبر حكمه مجرد لحظة تدخين وبعدها لاشيء يهمه .

وفي ستينات القرن الماضي وفي عهد المشير السلال كان يواجه عشرات الجبهات القتالية من قبل الملكيين وتصدت لسيارته امرأة وهو في طريقه من ذمار إلى صنعاء فأمر السائق بالتوقف وسأل عن حاجة المرأة ؟ !!

فأجابت المرأة والدموع تنهمر من عينيها : ابني يا سلال .. ابني !!

فقال لها : ماله ابنك ؟

فقالت : ابني مجنون يا سلال !!

فقال لها السلال : جني عليك : "أنت عندك مجنون واحد وأنا أواجه 5 مليون مجنون كلهم مسلحين !! ثم واصل سيره بعد أن أمر لها بمساعدة مالية !!

وفي أوائل السبعينيات إبان الحكم الماركسي في الجنوب  زار الشاعر الكبير محمود درويش عدن بعد خروجه الشهير من الأراضي المحتلة والتقى الأدباء واستضافه الأديب فضل  النقيب في برنامجه “فنجان شاي” ثم اصطحبه إلى لحج ليرى تجربة التعاونيات الزراعية على الطبيعة واستضافهم هناك المحافظ عوض الحامد على الغداء وكان أول شيء عمله عوض الحامد أن هجم على المصور المرافق وبطحه أرضا وصادر الكاميرا لأن الصور كانت ستشي بالمائدة “البرجوازية” الباذخة في حين كان الحزب يدعي التقشف. ثم أحضر عوض الحامد مجلدات كتب فيها كتاب “رأس المال” لكارل ماركس نظما وكان يريد من محمود درويش أن يقرأها من الجلدة للجلدة ويعلق عليها وطبعا يشهد لها فكاد يغمى على درويش لولا أن تمكن النقيب من أخده إلى السيارة واعدا بأيمان مغلظة أن يعودا في اليوم التالي.

أسبوع الواجب

ويتحدث النقيب عن أسبوع الواجب حين سيق القطاع الحكومي برمته لسبعة أيام “مجيدة” وهو يهتف في شوارع عدن في الصيف القائظ: “واجب علينا واجب، تخفيض الرواتب واجب”، و”سالمين نحن أشبالك وأفكارك لنا مصباح” وكان الصحفيون الأجانب يفركون أعينهم غير مصدقين أن هذا الشعب المسحوق يطالب بالمزيد من السحق. وكانت هناك الكثير من الشعارات الهستيرية مثل “تحريق الشوادر واجب” ولقد رأيت بأم عيني وزير الدفاع علي عنتر ونصف أزرار بدلته العسكرية مفتوحة وهو يتصبب من العرق ويحرق شيدرا خلعته إحدى النساء بترتيب مسبق كما يبدو لتنفيذ الشعار، وكذلك كان معه محافظ حضرموت فيصل النعيري وهو يتقافز. وكان من الشعارات بعد تأميم المساكن “ياسالمين لا تنسي.. باقي الدكاكين والتاكسي”.

وعن ثورة الشباب في اليمن عام 2011 م قال احد الشباب :

" إننا قمنا بثورة شبابية سلمية من أنجح ثورات الربيع العربي لكننا نسينا نسوي لها حفظ " !!

وقد ساهمت النكتة السياسية في اليمن في فضح جرائم الحوثيين وأسلوبهم الغبي في التعامل مع أبناء الشعب اليمني :

أن خطيبا حوثيا سئل المصلين من على المنبر : هل تريدون أن تعرفوا ما الأعمال المطلوبة لكي يبني الله لكم قصرا في الجنة ؟؟

فرد عليه احد المصلين : نريد أن نعرف ما هي الأعمال التي جعلتك تبني قصرا في حدة ؟؟!! (أرقى حي في صنعاء ) .

فقال الحاضرون : أن الخطيب الحوثي رد على الفور: أقيموا الصلاة !!

ومن النكت الشائعة في اليمن : شخص يسال صاحبه عن الوضع في اليمن ؟

فرد عليه : مثل صلاة الجمعة في السجن المركزي , الخطيب قاتل ،والمؤذن قاطع طريق، والمصلين لصوص !!

وأخيرا هكذا تتجلى النكتة السياسية في ظل الأزمة اليمنية وتعالج بعضا من معاناة الناس وسخطهم على مجريات الأحداث وفوضى الحياة السياسية والعامة , والنكتة السياسية تظهر عادة في المجتمعات نتيجة فشل السياسات العامة للدولة ليس هذا فحسب بل بانعدام سلطة الدولة وسيادة القانون ويتوارى السفاحون  والقتلة تحت الشعارات لقتل الناس وتدمير الوطن !!.

د.علوي عمر بن فريد