أزراج عمر يكتب:
التعليم الجزائري يكرّس التخلف
أعلنت وزيرة التربية الوطنية الجزائرية السيدة نورية بن غبريط منذ أيام قليلة أنها تنوي تكريس الهوية الوطنية في المناهج الدراسية، وفي الوقت نفسه فقد طمأنت دعاة الانفتاح على الثقافات الأجنبية بأن هذا التكريس الذي تريده لن يلغي النصوص الممتازة التي كتبها مفكرون أو أدباء أجانب سواء كانوا من المشرق العربي أو من بلدان شمال أفريقيا أو من دول العالم الأخرى، وفي المقدمة طبعا نصوص أدباء ومفكري وفلاسفة الغرب.
وكالعادة فإن وزيرة التربية لم تعلن عن المعايير التي سيتم على ضوئها انتقاء النصوص التي ستبني ما تدعوه بالهوية الوطنية. ومن المدهش أيضا أن السيدة بن غبريط قد صرحت أن عملية الاختيار قد أسندتها إلى ورشات ولجان بالاتفاق مع وزارة الثقافة، علما أن هذه الوزارة خالية من إطارات ذات كفاءة، وهي غير حيادية بل هي بوق للنظام الحاكم وسوف تلعب دورا نمطيا وسلبيا في اختيار نصوص أولئك الذين يسبحون بحمد هذا النظام ليلا ونهارا.
إن اللجان المكلفة حتى يومنا هذا باختيار النصوص التي تدرس على مستوى التعليم التحضيري والابتدائي والتكميلي والثانوي والجامعي تتم في غرف مظلمة وتفرض فرضا من طرف أجهزة السلطة الحاكمة في الجزائر ولا تسمح لأيّ أحد خارج سرب التطبيل لها أن يكون عضوا فاعلا فيها.
وأكثر من ذلك فإن هذه اللجان السرية لا تتوفر في أعضائها المسيطرين غالبا، الكفاءة العلمية والفكرية والأدبية، بل هم مجرد موظفين صغار إداريين في وزارتي التربية والثقافة، ومحض معلمين عاديين أو هم مستشارون أو مفتشون في المنظومة التعليمية يفتقرون إلى الرؤية العلمية والحساسية الأدبية والفكرية النقدية التي تمثل جميعا الشروط التي تضمن الاختيار السليم للنصوص الطليعية والمتطورة في مجالات الشعر والرواية والقصة والسيرة الأدبية والنظرية النقدية وهلمّ جرّا.
من المعروف أن النصوص المكرّسة في التعليم الجزائري منذ الاستقلال إلى يومنا هذا تتميز بأنها إما بأنها مستوردة بشكل أعمى، أو أنها جزائرية غارقة في التقليدية والتخلف شكلا ومحتوى، وفي كلا الحالتين فقد أضاعت الجزائر رهان بناء أجيال جديدة تحسّ وتعمل فنيا وجماليا بشكل راق وتفكر تفكيرا متطورا والدليل على ذلك هو هذا التخلف البنيوي الذي يلقي بكلكله على الحياة الوطنية بدءا من فشل التنمية المادية العصرية للمجتمع، والهندسة الجمالية والروحية للإنسان الجزائري الذي يحاصره المعمار المشوه وتفسد ذوقه الفنون الشعبية البدائية، وتفاقم الفوضى في المحيط العام ، فضلا عن سيادة العنف المادي والرمزي في الحياة اليومية، ولا شك أن تخلف المجتمع الجزائري لم يسقط من زحل بل هو بالدرجة الأولى ثمرة فجة ومرّة لانحطاط التعليم بكل أصنافه ومراحله.