فاروق يوسف يكتب:
نشيد كوني
في بلاده التقيته، هو صانع استثنائي لبلاد استثنائية، يمكنه بيسر أن يخبرك أنه من بلاد الشام، ولكن عليك أن تضع يدك على قلبك، فقد تكون تلك البلاد المتخيلة مقيمة فيه، تشف عيناه عمّا لا يُرى منها، تبتكر حواسه أسبابا للتعرف على مواقع سحر جديدة فيها.
إنه رسام حسي، غير أنه لا يفكر في الحواس باعتبارها أدوات للتعرف على الطبيعة فحسب، بل وأيضا في صفتها مراكب تحمله إلى مغامرة خيال، تكون الطبيعة فيها موجودة من خلال حيويتها وأفعالها المجردة.
أعادني زياد دلول حين زرته في مرسمه الباريسي إلى تجارب الكبار من الرسامين وبالأخص وليام تيرنر وكلود مونيه، إنه واهب فراديس تظل مشاهدها مفتوحة على أصوات الملائكة وعطر زهور غير مرئية وإيقاع خطوات فتيات نضرات غادرن المشهد لتوهن.
كل لوحة من دلول هي احتفال بالحياة، مديح طويل للجمال الذي يتسلل من الطبيعة إلى أرواحنا بخفة زقزقة عصفور. جلست أمام رسومه مثل تلميذ صغير يسعى إلى التقاط كل تمتمة تعلق بشفتي معلمه.
ما يفعله دلول ضروري لندرك أن الرسم لا يزال حيا في عالمنا العربي، ذلك المعلم الذي يثق بالرسم خلاصا جماليا تدفعنا رؤية رسومه إلى نسيان ما يعيشه الرسم في العالم العربي من ضعف وفوضى ولهاث واحتيال.
إنه يقف بمشروعه خارج أسراب الرسامين الذين مزجوا الفن بالتجارة ففقد الرسم بسببهم الشيء الكثير من كرامته وتعفّفه وإبائه. دلول يحيط الرسم بنزاهة شخصية، يفتقد إليها الكثيرون، ما يميزه أنه صاحب مشروع جمالي لا يخاطب الذائقة المتاحة، بل يسمو بها إلى مواقع التحليق، كنت في كل لحظة أتحسّس بقدمي الأرض لكي أتأكد من أنني لا أزال واقفا.
“اغلق عينيك.. أنت في الوادي المقدس” قلت لنفسي وأنا أتبع الأمواج التي تسللت إلى غرف النوم كما تفعل الضحكات العابثة حين تتصفح كتب الأحلام. يرسم زياد دلول حالما بحياة، ترتقي بناسها إلى مستوى النشيد الكوني الذي يصدح بالثناء عليها.