مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):

النافذون في عدن السلطة والربح بأي ثمن

ظاهرة النافذون أصبحت أمر واقع وفكرة سلبية مألوفة ومتينة في الوعي اليومي الجنوبي وخاصة في عدن , والنافذون هم أناس من مختلف المكونات الاجتماعية فيهم العاقل و البلطجي , ويمكن تقسيمهم إلى طبقتين اجتماعيتين مختلفتين , الأولى طبقة محترمة وذكية مكونه من رجال الأعمال المتعلمين لديهم حس وطني متذبذب بعض الأحيان حسب ثقل المصلحة , يميلون إلى أن يشغلون مناصب عاليا في هياكل الدولة والتجارة في محاولة للتأثير على العمليات السياسية في المجتمع , حياتهم منعزلة ولا يظهرون ثرواتهم, أما الطبقة الثانية من النافذون , فهم رجال فساد من الدرجة الأولى يعيشون من الفوضى ومدفوعين بالسلطة والربح , بعضهم يعاني من انخفاض مستوى التعليم والثقافة وثروته مكتسبه من تجارة الحروب والفوضى الكاملة و اختلاس المال العام , أصحاب مشاريع ضيقة , يظهرون أسلوب حياة فاخر يحبون التبذير والاستهلاك الظاهر لديهم مشكلة في حب الوطن ويعانون من الأنانية وانخفاض أخلاقيات العمل وإهمال التعليم و النجاح عندهم يقاس من خلال مقدار المال والرفاهية وعرضه للأعمال المغامرة والإجرامية ,هذه الطبقة الاجتماعية لا تزال تتشكل في عدن وتشكل خطورة على النسيج الاجتماعي وعلى البنى التحتية للمدينة وبناء الدولة.

قبل الحرب الأخيرة كانت فئة النافذون تنتمي في الغالب لأحزاب وقبائل الهضبة المقدسة , اليوم وبعد ضعف دور نافذين الهضبة المقدسة , بسبب هزيمتهم وطردهم من الجنوب , لازال البعض منهم حاضر في الجنوب و مدفوعين أيضا بالسلطة والربح يلعبون الدور سلبي في الداخل , ومدعومين من بقايا أعضاء أحزاب الهضبة من الجنوبيين ومن بعض تجار الفوضى المدعومين من بعض العناصر المسلحة , وهو ما أثر سلباً على محافظات الجنوب كلها وأولهم عدن , وأثار اشمئزاز و غضب أبناء عدن كونهم لا يشبهون أي نوع من الأغنياء أو التجار المعروفين في الوسط التجاري , هم طبقة من أصحاب المشاريع المتوسطة والكبيرة واسعة النطاق تمارس الحماية بالابتزاز, تستخدم مقص التجارة و الترهيب والترغيب للتلاعب بالنشاط الاقتصادي المحلي , هم من القلة ذات التوجه الإجرامي والمسئولين الفاسدين يتعاملون بلغة القوة والسلاح والبلطجة , يعشقون البسط العشوائي , ولو على حساب تدمير البنى التحتية والمعالم التاريخية والحدائق والأندية الرياضية والأسواق العامة والمصانع وخطوط الصرف الصحي والطرقات الرئيسية والمقابر و أحواش المدارس والكليات ومقرات الكتاب والأدباء و روض الأطفال ومحميات طبيعية وأحواض الملح , حتى وإن أدى ذلك إلى إغراق المدينة في بحار من المجاري والقمامة والإمراض والأوبئة .
أن أول ظهور لمصطلح النافذون أو النافذون الجدد كان عبارة عن إتحاد من رجال الإعمال وقله من الساسة والبلاطجة وعصابات الجريمة المنظمة في روسيا في فترة التسعينيات كانوا يسمونهم الروس الجدد  ( новые русские ) , يشير هذا المصطلح إلى ممثلي الطبقة الاجتماعية الجديدة من النافذين الجدد البلاطجة في روسيا , وهي طبقة ظهرت في عهد حكم الرئيس الراحل بوريس يلتسين حققت ثروة كبيرة في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي من نهب المال العام وتجارة الأسلحة والمخدرات على مستوى روسيا و رابطة الدول المستقلة , وقد تم وصفها بهذه التسمية لتميزها بالثراء السريع و الفجائي الفاحش عادة بوسائل مشكوك فيها أو غير قانونية انفرد فيها رؤوس اجتماعية كبيرة من الساسة ورجال مافيا لا يملكون مستوى عال من الذكاء والثقافة على الرغم من رفاهيتهم ومحاولتهم لاستخدام المفردات آداب الطبقات الاجتماعية العليا , وبعد وصول بوتين إلى السلطة قام بضبط إيقاع هذه الطبقة واخضع الكثير من منتسبيها إلى المسائلة القانونية والمحاكمة وتم سجن بعض من الرؤوس الكبيرة امثال جوسينسكي وخدروفسكي , بينما فر الكثير منهم الى خارج روسيا هربا من المحاكمة والعقوبة أشهرهم الملياردير بيروزوفسكي إلذي فر إلى لندن بعد أن تحول من عامل مختبر في إحدى مدارس موسكو إلى ملياردير , ومات في لندن بسبب مرض الاكتئاب رغم ثرائه الفاحش , الذي لم يجلب له السعادة.

اليوم ظاهرة النافذون  أو النافذون الجدد عربية بامتياز في سوريا هم من الشبيحة والقادة العسكر المقربين من الرئيس الأسد وحاشيته , وفي العراق بعضهم من الجيش العراقي والمليشيا المتعددة الأسماء والتبعية وقله من الساسة وفي ليبيا هم مزيج من المليشيات ورجال الجيش وجنرالاته وبعض الساسة , أما في الدول العربية الأخرى التي لم تكتوي بنيران سلبيات ثورات الربيع العربي ودباباته فالنافذون هناك هم بقايا رجال الساسة القدماء والجدد وجنرالات الاستخبارات والجيش بالطبع , أما في عدن اليوم فالنافذون هم في الأساس خليط غريب عجيب من العسكر والجهلة والساسة والمثقفين من فاقدي الوطنية والمسؤولية والثقة في النفس, يأكلون الأخضر واليابس من اجل المال والسلطة , ينهبون كل شيء في طريقهم , وبطريقة قذرة ومفتوحة يحولون مشاكل الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والنظافة والعملة المحلية والمشتقات النفطية والأمن إلى أوراق سياسية للتلاعب والضغط والاحتيال والنصب عيني عينك , وبالمناسبة إذا نظرت إلى النافذون الجدد ومشاكلهم في العراق وسوريا وليبيا والجنوب ستجد أن الشكل والسلوك في حالة تشابه كبير جدا فيما بينهم , وستجد كذلك أن معاناة الشعوب هي ذاتها واحدة والخوف من المجهول والظلم يطحن المواطن بنفس التساوي والقدر والدرجة .