فاروق يوسف يكتب:

ليس هناك نظام سياسي في العراق

النظام السياسي في العراق لن يسقط حتى لو وصلت الاحتجاجات الشعبية إلى أبواب المنطقة الخضراء وهي منطقة الحكم. لا لشيء إلا لأن ذلك النظام غير موجود أصلاً.

ليس هناك نظام سياسي قائم في العراق.
هناك محمية اسمها المنطقة الخضراء يقيم فيها عدد من زعماء الأحزاب الذين باركتهم تسوية إيرانية ــ أميركية وأطلقت أيديهم لإدارة واردات العراق المالية وتوزيعها في ما بينهم بالطريقة التي تناسبهم.
ليس ضروريا هنا القول إن النظام السياسي هو شيء غير ذلك تماما.
لقد كانت الطبقة السياسية الحاكمة التي تتألف من زعماء الأحزاب والكتل السياسية والتي فرضها المحتل الأميركي على العراقيين خيارا وحيدا مضطرة إلى تشكيل وزارات ودوائر بمسميات تشير إلى وظائف محددة كالعمل والصحة والإسكان والتربية والدفاع والنقل والتعليم العالي غير أنها أفرغتها من محتواها الحقيقي حين حولتها إلى بؤر لامتصاص المال العام.
فحين تنحصر مهمة الوزير في تمويل حزبه بحصته من الخزينة العراقية أو من الضرائب التي يفرضها على العراقيين فإن ذلك الوزير لن يكون معنيا إلا بالوصول إلى ذلك الهدف الذي يحفظ له بقاءه في وظيفته التي تدر عليه ملايين الدولارات في الشهر الواحد.
المؤسسات الصورية هي دليل على غياب النظام السياسي.       
اما كذبة السلطات الثلاث فهي الأكثر مدعاة إلى السخرية.
رئيس الوزراء لا يملك سلطة على وزرائه. وهو لا يملك صلاحية أن يقيلهم وإن ملكها فإنه لن يجرؤ على استعمالها خشية أن يكون الوزير المقال أقوى منه. اما مجلس النواب فإن أعضاءه يحضرون ويغيبون حسب أمزجة زعماء أحزابهم فهم لا يمثلون الشعب الذي انتخبهم بل يمثلون أحزابهم.
وهناك السلطة القضائية التي سيسها نوري المالكي وجعل منها مقصلة يؤدي من خلالها مهمته في الاقتصاص من قتلة الحسين باعتباره مختار العصر.
لقد استبيحت العدالة في عصر السلطات الثلاث.
ما لم يعرفه العراقيون عن نظام حكمهم كان في الإمكان معرفته لو أنهم انتفضوا مثلما يفعلون اليوم قبل سنوات. الحقيقة نفسها ستكون جاهزة أمامهم.  
 لن يعبأ أحد في السلطات الثلاث بمطالب المحتجين.
لا لشيء إلا لأن أحدا في تلك السلطات لا يمكنه التعامل مع تلك المطالب باعتبارها جزءا من واجبه. فما من أحد في السلطة التشريعية مثلا وعد ناخبيه بأمور محددة. لقد انتخب العراقيون أشخاصا لم يتعرفوا على برامجهم الانتخابية التي لم تكن موجودة أصلا وهو ما مطلوب منهم.  
كان في إمكان العراقيين أن يكتشفوا في وقت مبكر أن لا وجود لنظام سياسي في بلادهم وأنهم محكومون من قبل حفنة من زعماء الجماعات الحزبية التي لا تملك مشروعا وطنيا غير أنها تعرف أن تفعل ما ينفعها.
لم تكن تلك الأحزاب التي تبناها المحتل الأميركي لتتسم بشيء من الوطنية. لو كانت كذلك لما تم تبنيها. ولكن هل وقفت لاوطنيتها حائلا دون قدرتها على بناء نظام سياسي؟
كل تلك الأحزاب كانت دينية. وهو ما يعني أنها لن تكون وطنية. الأمر الذي أدركه الأميركان جيدا يوم اختاروها لتحل محل النظام السياسي الذي كان قائما في العراق.
في ظل غياب النظام السياسي فإن جل ما يمكن أن تفعله الحكومة هو تصريف شؤونها بمعنى أن الحكومة تعمل من أجل خدمة نفسها بما يسهل حركة وسبل عيش أفرادها.
لقد تأخر العراقيون كثيرا في اكتشاف تلك الحقيقة.
سيندمون كثيرا على ذلك التأخر لأنه سمح للميليشيات أن توسع من دائرة القتل المنظم والمجاني. فقد العراق خيرة كفاءاته التي لا يمكن تعويضها في الزمن المنظور.
هناك حكومة في العراق مهمتها الوحيدة تصريف أعمالها. تلك حكومة يمكن أن تختفي في أية لحظة مخلفة جبالا من المشكلات التي سيكون على العراقيين أن يواجهوا مسؤوليتهم في العثور عل حلول لها.