هاني مسهور يكتب:

بداية الحل: هيكلة الشرعية اليمنية

لم يعد مقبولا بعد الاستماع لإحاطة المبعوث الأممي مارتن غريفيث لمجلس الأمن الدولي في 2 أغسطس 2018 أن يترك مصير اليمن موزعا بين قوى دولية ومحلية تحاول بكل ما تمتلك من أدوات للسيطرة على هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية، فالإحاطة وما شملته من تقييم للموقف السياسي والاقتصادي والعسكري والإنساني لم تحمل مؤشرات إيجابية، بل حملت مؤشرات سلبية أكدت ما نشرته صحيفة العرب اللندنية في عددها الصادر في 4 أغسطس 2018 حول مخطط بريطاني لإدارة الملف اليمني ما يفتح الطريق لتدويل الأزمة من جهة ولحرف المسار السياسي من جهة أخرى.

بات اليمن على أعتاب مرحلة خطيرة أسهمت الحكومة الشرعية بسوء أدائها في أن يصل إلى هذه المرحلة المفتوحة على خيارات سلبية في غالبها، فلقد بات من الواضح أن المجتمع الدولي أصبح ينظر إلى الصراع اليمني أنه بين طرفين يتنازعان السلطة السياسية، وأكدت معطيات الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي أن هناك خللا في التعاطي مع الأزمة.

انحياز المنظمات الدولية للحوثيين تسبب فيه أداء الشرعية، فالرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته تركا مهامهما الأساسية وانشغلا في ملفات أخرى، حتى تلك الملفات السياسية تمركزت على إقصاء القوى الفاعلة وتحديدا المجلس الانتقالي الجنوبي وكذلك المؤتمر الشعبي العام جناح الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

في يوليو 2015 ومع انسحاب ميليشيات الحوثي من عدن بعد هزيمتها المذلة، قام الحوثيون باستهداف قوارب لمدنيين من نساء وأطفال كانوا يحاولون الفرار عبر ميناء التواهي فاستهدفتهم قذائف الحوثيين وحصلت مجزرة بشعة نقلت فيها العشرات من الجثث إلى مرفأ التواهي، وفي تلك الأيام قام الحوثيون باستهداف المدنيين في منطقة دار سعد مع انسحابهم من عدن فأوقعوا عشرات القتلى من المدنيين، وقامت لجان الصليب الأحمر التابعة للأمم المتحدة بتوثيق الحادثتين وتصنيفهما جرائم حرب.

هيكلة المؤسسة الشرعية اليمنية تبقى المدخل الصحيح للحل السياسي، فهذه الأدوات الرديئة التي فشلت في صناعة نموذج إيجابي في أكثر من 85 بالمئة من الأراضي المحررة لن تكون قادرة على رسم خارطة المستقبل لليمنيين

رأت قوى متنفذة في الشرعية أن هذه الملفات ستحقق مكاسب ستصب في مصلحة القضية الجنوبية، فتم التوافق على عدم إثارتها وتم تجميدها لاعتبارات سياسية صغيرة في مقابل إدانة ميليشيات الحوثي، وليست هذه الملفات هي الوحيدة. فلم تقدم الحكومة الشرعية شكوى ضد تدخلات حزب الله اللبناني في اليمن إلا بعد أربع سنوات من انقلاب الحوثيين، بل إن الحكومة الشرعية لم تقدم شكوى ضد تدخلات النظام القطري وتمويله للحوثيين، يضاف إلى ذلك ملف تجنيد الأطفال في الحرب وكذلك زراعة مئات الآلاف من الألغام. كل هذه الانتهاكات للقانون الدولي لم تحفز الشرعية لتقديم شكاوى رسمية أو تصل إلى المطالبة بعقد جلسات خاصة لمجلس الأمن الدولي لاطلاعه على كل هذه الجرائم والانتهاكات الحوثية المباشرة.

وفرت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة كافة المنصات الإعلامية وغيرها للحكومة الشرعية، غير أن المتنفذين في الشرعية عملوا على إخضاع هذه المنصات لتمرير فسادهم وتركوا المنظمات الحقوقية الممولة من قطر وإيران وتركيا في العواصم الأوروبية تستحوذ على التقارير المغلوطة بعد أن تركت الشرعية مهامها الحقيقية بتغذية هذه المنظمات بشخصيات منتمية لها، فحصلت القوى الموالية للحوثيين على فرصة ملء شغور هذه المؤسسات والمنظمات بأفراد مازالوا يمدون الأمم المتحدة بتقارير ظهرت في جلسة مجلس الأمن الدولي لتؤكد الخيبة في أداء الشرعية.

لم يكن ظهور رضية المتوكل في جلسة مجلس الأمن 30 مايو 2017 سوى عنوان على فشل الشرعية، فكيف تسللت شخصية حوثية إلى مجلس الأمن وقدمت كلمة الحوثيين وهاجمت التحالف العربي؟ كان فشلا لم يتم علاجه وصولا إلى إحاطة غريفيث التي وضع الشرعية والحوثيين في كفتين متساويتين ما سيؤدي إلى نتائج لا تبدو مبشرة على المستقبل السياسي في اليمن.

هيكلة المؤسسة الشرعية اليمنية تبقى المدخل الصحيح للحل السياسي، فهذه الأدوات الرديئة التي فشلت في صناعة نموذج إيجابي في أكثر من 85 بالمئة من الأراضي المحررة لن تكون قادرة على رسم خارطة المستقبل لليمنيين. هذه المهمة تتطلب شخصيات تمتلك قدرة على التسامي ووضع الاعتبارات العليا فوق كل اعتبارات فئوية وذاتية، فالمشروع يتجاوز اليمن فهو نزاع حول إما أن يكون اليمن عربيا أو غير ذلك ولا يمكن القبول بأن يخرج اليمن من عروبته.