رشيد الخيُّون يكتب:
الخميني.. مخالفة الثَّوابت الإمامية
خالف آية الله الخميني(ت 1989) التقليد الشِّيعي الإمامي في أكثر مِن أصل، هذا ما ورد في سلسلة الدُّروس التي كان يُلقيها بالفارسة، عندما كان مقيماً بالنَّجف(1965-1978)، والتي جُمعت في كتاب «الحكومة الإسلامية». خالف العقيدة الإمامية، في وراثة الحُكم، بما يتضح منه أنه وافق الخلافة الرَّاشدية، التي لم تكن وراثية ولا ملكية. يقول الخميني: إن الإمام الحُسين(قُتل61هـ) نهض ضد الحكم الوراثي «فليس في الإسلام نظام ملكي وراثي، وإذا كان هذا نقصاً في اعتبارهم فليقولوا: إن الإسلام ناقص»(الخميني، الحكومة الإسلامية). معنى هذا أن الحُسين، حسب الخميني، لا يورث الحُكم، في حال كُتب له استلامه، لولده علي بن الحسين(ت نحو95هـ)، والأخير لم يورثه لولده وأحفاده مِن بعده، حتى آخرهم المهدي المنتظر!
بينما الشِّيعة يرون أن الإمامة تُشيد على الوراثة في الحُكم، أي على ما نقضه الخميني، عقيدة الإمامة، حتى غدت أصلاً مِن الأُصول، ووفقها أصبح الخميني نائباً للإمام الثَّاني عشر، حسب «ولاية الفقيه المطلقة»! فهذا سؤال يُطرح على المبشرين بفكرة ولاية الفقيه مِن الإماميين، والذين اعتبروا الخميني وخليفته خامنئي المدافعين عن المذهب! ربَّ معترض يقول: إن الخميني قصد الملكيات والأنظمة الوراثية، التي نبذها الإسلام كنظام الأكاسرة بالشَّرق والهراطقة بالغرب، وإن الإمام علي بن أبي طالب (اغتيل40هـ)، وبنيه الاثني عشر، يحكمون بموجب وصية إلهية! لكن بالتالي يبقى الحُكم وراثياً، وفيه ضمناً نظام ولاية العهد الابن عن الأب، التي رفضها الخميني في كتابه بصريح العبارة.
بعد خلافه مع فقهاء الإمامية بإلغاء الوراثة في الحكم، يأتي الخميني، في ولاية الفقيه، على إلغاء وراثة الأنبياء، سوى العِلم، ناقلاً عن «رواية أبي البختري»، والتي جاء فيها: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورَثوا الأحاديث، فمَن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمَّن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كلِّ خلف عدولاً، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»(الحكومة الإسلامية).
لكن ماذا عن الموقف مِن أرض «فدك»؟! التي حسب التقليد الإمامي أن السيدة فاطمة(ت11هـ) ورثتها عن أبيها، بعد أن صارت له في العام السَّادس للهجرة(المسعودي، مروج الذهب)، وجرى عليها خلاف بعد وفاته؟ فهل سيسقط ما أتى في الأثر الشِّيعي عن حق فاطمة وبني هاشم بميراث النَّبي؟! وأن جواب الخليفة أبي بكر الصِّدِّيق (ت13هـ) لهم كان صحيحاً: «أما أني سمعتُ رسول الله يقول: لا نورث، ما تركنا فهو صدقةً، إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته»(الطبري، تاريخ الأُمم والملوك)؟!
بعدها يُخالف الخميني التقليد الإمامي بقبول فكرة «التَّفويض»، وهذا ألغته المقولة الإمامية في مسألة القدر: «لا جبر ولا تفويض»(المظفر، عقائد الإمامية)، بينما الفقيه حصل على السُّلطة، حسب ولاية الفقيه، بالتفويض الإلهي، بنيابة الأئمة. يقول الخميني في «ولاية الفقيه العامة»: «إذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل، فإنه يلي مِن أُمور المجتمع ما كان يليه النَّبي(صلى الله عليه وسلم) منهم، ووجب على النَّاس أن يسمعوا له ويطيعوا، ويملك هذا الحاكم مِن أمر الإدارة والرِّعاية والسِّياسة للناس ما كان يملكه الرَّسول (صلى الله عليه وسلم)، وأمير المؤمنين(ع) على ما يمتاز به الرَّسول والإمام مِن فضائل ومناقب خاصة؛ لأن فضائلهم لم تكن تخولهم أن يُخالفوا تعاليم الشَّرع، أو يتحكموا في النَّاس بعيداً عن الله، وقد فوض الله الحكومة الإسلامية الفعلية، المفروض تشكيلها في زمن الغيبة نفس ما فوض إلى النَّبي(ص) وأمير المؤمنين(ع) مِن أمر الحكم والقضاء والفصل في المنازعات، وتعيين الولاة والعمال، وجباية الخراج، وتعمير البلاد، غاية الأمر أن تعيين شخص الحاكم الآن مرهون بمَن جمع في نفسه العِلم والعدل»(الحكومة الإسلامية). إذا قالت الإمامية: إن الله فوض النبي والأئمة بالحكم، فهذا لا يتحقق إلا بظهور المنتظر، لكن الخميني جعل التفويض للفقهاء، وعليهم أخذه بالثَّورة، وأنهم ورثة علم الأنبياء وسلطاتهم السِّياسية! وبالتالي فالحاكمية عنده تكون إلهيةً بالتفويض.
كيف للعقل اعتبار التفويض الإلهي، الذي يُورثه الفقيه عن النُّبوة والإمامة، نظرية سياسية يصبح وفقها الفقيه حاكماً مطلقاً بتكليف إلهي، أليس هذا يتماثل تماماً مع فكرة وادعاء تفويض الله للأباطرة والملوك الحكم على أنهم ظله على الأرض؟! يقول أبو العلاء المعري(ت449هـ): «كذب الظَّنُ لا إمامٌ سوى العقل/مشيراً في صبحه والمساء/فإذا ما أطعته جلب/الرَّحمةَ عند المسير والإرساء»(لزوم ما لا يلزم). أقول: قد يعقل العقل فكرة ولاية الفقيه، وهو الإمام مثلما وصفه المعري ونجده كذلك، إذا كانت نظرية سياسية بشرية، تُخطئ وتصيب، لكنها ستكون خيالاً مكثفاً، منزوعةً عن الواقع، إذا ما قُدست بالتفويض الإلهي.
* نقلا عن "الاتحاد"