رشيد الخيُّون يكتب:
المَهدي.. هاشميٌ وأمويٌّ وعباسيٌّ
حتى سقوط الدولة العثمانيَّة، الفعلي(1918) والرسميّ(1924)، لم يكن الاهتمام، خارج البحث الفقهي والتاريخ العام قائماً، والسبب هو ظهور حركات الإسلام السياسيّ، لملأ فراغ ما اُعتبر خلافة عثمانيَة، وبالتوازي شرقاً سقوط الدولة الصفوية(1736)، التي انتهى بها تطبيق فكرة نيابة الإمام عملياً، ثم انتهى امتدادها الدَّولة القاجاريَّة(1925)، لذا ظهر النشاط الديني السياسي لإعادة الحالة العثمانية الممثل بالخلافة، والصّفوية الممثل بولاية الفقيه.
لهذا أخذ الباحثون في دراسة الفكر الديني، لإظهار المعقول وغير المعقول فيه، فالذين يتصدرون الإسلام السياسيّ يريدون إقامة أنظمة دينية، ولولا ذلك ما ظهر هذا الطوفان مِن المؤلفات والكتابات لكشف الظاهرة الدِينيَة السياسيَّة ومرتكزاتها.
فكرة المهدي، المنقذ، قديمة، ليست محصورة بطائفة دون سواها. لستُ متوسعاً في المقال سوى التذكير بالمهديين الذين طلبوا السّلطة، ومَن استغلها لتثبيتها، وأُحدد: المهديّ الهاشميّ والأمويّ والعباسيّ، فليس في ظل الخلفاء الراشدين وجود لها، كذلك لم يدعِ الحُسين بن عليّ(قُتل: 61هـ) أنّه كان مهدياً، ولا مَن زامنه مثل عبد الله بن الزُّبير(قُتل: 73هـ).
فأول مّن أُشير إليه بالمهديّ عمر بن عبد العزيز(تـ: 101هـ)، وردت روايات كثيرة منها: «سمعت محمد بن علي(الباقر) يقول النَّبي منَّا، والمهدي من بني عبد شمس، ولا نعلمه إلا عمر بن عبد العزيز»(ابن عساكر، تاريخ دَمشق)، وعمر أنصف العلويين، فليس مستبعداً أن يقول فيه الباقر ذلك.
أما مِن المعارضة، فأول مَن أظهر مقولة «الرضا من آل مُحمد»(الطبريّ، تاريخ الأمم والملوك)، عبد الله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، اثناء خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك(خلافته ومماته 126هـ). خرج بالكوفة وتوسع بحركته حتَّى أقام بأصفهان.
كذلك ثار بالمدينة محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزَّكيّة(قُتل: 145هـ)، وسُمَّي بالمهدي، في عهد أبي جعفر المنصور(تـ: 158هـ)، وكاد يعصف بالعباسيين(الطَّبري، نفسه). عندها ظهر المهديّ العباسي(الخليفة المهدي نفسه) مِن داخل السُّلطة، وفق الحديث «المهديّ من العبّاس عمّي»(الهندي، كنز العمال).
ثم ظهر محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحُسين، وأعلن نفسه المهديّ بشعار «الرّضا مِن آل محمَّد»(229هـ)، سُجن بسامراء وهرب(المصدر نفسه)، وفي(250هـ) خرج يحيى بن عمر الطَّالبيّ بالكوفة، حفيد زيد بن عليّ. بعدها تكاثر الظُّهور بالمهديّ وبـ«الرّضا مِن آل محمَّد»، والأغلب مِن الزّيديّة فكراً، ودعاة الإسماعيليَّة شيدوا بالفكرة دولةً، العبيدية بالقيروان، حيث تونس، والفاطميّة بمصر.
بعدها طُرحت فكرة المهديّ محمد بن الحسن(غاب: 329هـ)، مِن قِبل الشّيعة الإماميَّة بسامراء، فصار له سفراء ونواب، ولا يخرج إلا بأمر الله(الكليني، الكافي)، ولم يتوقف انتحاله، تلبساها الإسلام السّياسيّ الشّيعيّ، مثلما تلبست شخصيات وحركات فكرة المهديّ عند السُّنة كمهدي المغرب ابن تومرت(تـ:524هـ)، ومهدي السُّودان محمد بن أحمد(تـ: 1885).
لكنْ تبقى مقولة «يملأ الأرضَ عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً»(الكُليني، نفسه)، ساحرةً، فالجميع يتمنى القِسط، وأولهم أهل العِراق، اليوم قبل الأمس، والخبر عند الإسلاميين الملتحفين بالفكرة والادعاء بالتَّمهيد، بولاية الفقيه!
ورد المثل: «ما وراك ياعِصام»، وعصام حاجب ملك الحِيرة النُّعمان بن المُنذر(قتله الأكاسرة وبسببه هُزم الفُرس بذي قار)، صاحب يومي النَّعيم والبؤس، فقال النَّابغة الذُّبيانيّ(قبل الإسلام): «فإني لا أُلامُ على دخولٍ/ ولكن ما وراءك يا عِصامُ»(الجوهري، الصَّحاح). فماذا وراء قسِطكم بالتَّمهيد للمهديّ، وقد صار أمر أغنى البلدان بأيديكم! أقول: الفكرة واحدة والمهديون كُثرُ، فـ«يا ليتَ شِعري ما الصَّحيح»!