رشيد الخيُّون يكتب:
تجريم التطبيع.. العربون مازن والتميمي!
أصدر البرلمان العراقي (30/5/2022) قانون «تجريم التَّطبيع مع الكيان الصّهيوني»، شاملاً الانتماء إلى «الماسونيَّة». تضمن أحكاماً كثيرة بالإعدام، تشمل العلاقة الثقافيَّة بين أشخاص وجماعات، وأصدقاء الفيسبوك وتويتر وغيرها، ومَن يقرأ كتاباً أو يتصل بمثقف لشأن أدبي وسواه، وكأن المراد قوننة القتل العشوائي، ليكون وفق متطلبات المقاومة والممانعة الإيرانيَّة على الأرض العراقيَّة.
أقولها لا ساخراً، يُفهم مِن فحوى القانون أنه سيشمل كلُّ مَن يستشهد بـ«سير أعلام النُّبلاء» للذَّهبي (ت: 1347م)، و«شذرات الذَّهب» للحنبلي (ت: 1678م) وغيرهما مِن تراجم الرجال، لأنها ترجمت لمَن ألقابهم «الصهيونيّ» و«الإسرائيليّ»! ناهيك عن تجريم أيّ كتابة أو شكاية مِن ميليشيات «المقاومة والممانعة»، وبهذه التُّهمة اغتيل واُختُطف خيرة الشَّباب.
غُيّب بتجريم التطبيع، قبل صدوره، مازن لطيف (1 فبراير2020) صاحب دار «ميزوبوتاميا»، ثم الكاتب توفيق التَّميميّ (9/3/2020)، وما زال الأهل والأصحاب ينتظرون إيابهما، دون جدوى.
نشط مازن ناشراً لكتب يهود العراق، وهذه ليست مثلبةً، فليهودنا وطنيةٌ عاليةٌ. لم يعمل مازن سراً، في مجال جاذب للشباب الذين لم يدركوا وجود الطَّائفة اليهوديَّة، وأدركوا أخبار تشبثهم بالعِراق، وأمانتهم في المعاملة، وتعليق جثثهم في السَّاحات (1969)، مثلما سيُحيي قانون التَّجريم، القديم الجديد، تلك المشاهد.
عَدَّت الجماعات الإيرانيَّة المسلحة، داخل العِراق، نشر تلك الكُتب جُرماً، فنفذت بمازن قانونها قبل إعلانه. أما التِّميمي فحشد لإنقاذ صديقه، واُختُطِفَ صباحاً، بما يعني أنَّ للكتائب نفوذها الخارق، حاول زملاؤهما الاستنجاد برئيس الوزارة التي أبيد في ظلها ثمانمائة متظاهرٍ، فقال: «الأمر ليس عندي»، فتخيلوا سوء الحال! وإنصافاً أنَّ الكتائب في هذه القضية قد تنازلت عن الطَّائفية، فكان المخطوفان سُنياً وشيعياً!
أقول: إذا كان هناك حقٌّ، ليشمل القانون كتائب ولاية الفقيه (ت: 1989) أيضاً، ففي عزّ الولاية (1985-1986) طَبَعت إيران الخمينيَّة مع إسرائيل الصّهيونيَّة، بصفقة أسلحة، يوم وصل طهران مِن تل أبيب أكثر من 2500 صاروخ على وجبات، مع منحة مالية كبرى (تابع قضية إيران جيت). جرت الصَّفقة، بينما كان الإعلام الإيراني يلهب الجماهير بمصطلح «الشَّيطان الأكبر»، ويوم القدس! فأين الصَّاروخ، حارق نخيل البَصْرة، مِن كتابٍ ثقافيّ يُنشر ليهوديّ عراقيّ؟ّ! أما راعي الصَّفقة الخميني فصوره معلقة ببغداد؟!
إلاّ أنَّ المضحك المبكي، انتفاع الجماعات، التي أصدرت القانون، مِن غزو العراق (2003)، وحصل وليها على النّفوذ الأكبر، مما حققه لهم خلصاء الصّهيونيَّة، وإلا كانت الأفواه تُسبح باسم القائد، حتَّى حلَّ الغزو عُقد الألسن، وكان مازن والتّميمي ممَن حُلت عقدتا لسانيهما، فتوهما أنَّ الدِّيمقراطيّة قد قامت؟!
يتضح مِن أحكام القتل، التي تضمنها القانون، أنها ستنال مَن يعترض على وجود الميليشيات الولائيَّة، بتهمة معاداة المقاومة والممانعة، وأراه ليس أقل خطورةً مِن قانون «معاداة السَّاميَّة» مع أنَّ الأخير ليس فيه إعدام، فالجُرم جاهز: «التَّطبيع»! إنَّه شرعنةُ القتلِ وتبرير الخطف والاغتيال التي طالت العراقيين، مِن قِبل الميليشيات أو كتائب "المقاومة".
قالها الجاهليّ مالك بن زيد مناة لأخيه سَعْد، وسارت مثلاً: «أوردها سَعْدٌ وسَعدٌ مُشْتَمل/ ماهكذا تُوردُ يا سَعدُ الإبلُ» (الجحميّ، طبقات فحول الشُّعراء). أقول: ما بهذه الفكاهة يُشرعن القتل، وها هو العِراق أمسى خرابةً كبرى.