فاروق يوسف يكتب:

عرابو الخراب يصادرون الحياة السياسية

ليس هناك أسوأ من تحول ميليشيا مسلحة، امتلأ تاريخها بجثث المغدورين الأبرياء إلى حزب، يتم قبوله في الحياة السياسية ليرتقي أفراده الذين هم قتلة محترفون السلم الذي يقود إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية.

حدث ذلك في لبنان مرات عديدة مع قوى مسلحة كان آخرها حزب الله وحدث لاحقا في العراق حين تم الزج بالحشد الشعبي (مجموعة ميليشيات شيعية) في الحياة السياسية من خلال ائتلاف أطلق عليه اسم الفتح ويقوده هادي العامري، زعيم منظمة بدر التي تم تأسيسها في إيران ولا تزال تستلم أوامرها من هناك وتمتثل لتوجيهات الولي الفقيه.

حدث ذلك الانتقال بالرغم من أن الدساتير في كل دول العالم، العراق ولبنان من ضمنها تمنع القوات الرسمية والأجهزة الأمنية والجماعات المسلحة من تأسيس أحزاب أو الانتماء إلى أحزاب والتدخل في الحياة السياسية.

ما حدث في لبنان في وقت سابق يحدث الآن في العراق، من غير أن يُقابل ذلك الحدث الخطير باستياء ورفض النخب السياسية في البلدين والتي سيكون عليها حتما التعامل مع المجرمين، باعتبارهم رجال سياسة محترمين.

ميليشيا حزب الله تحكم لبنان سياسيا الآن بعد أن أحكمت الطوق عليه عسكريا. كل سياسي يجرؤ على اعلان خلافه مع تلك العصابة المجرمة سيكون مصيره المحتم القتل. وهو ما أثبتته بالأدلة وقائع المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الرئيس رفيق الحريري عام 2005.

لقد تمت تصفية الحريري لأنه قال "لا" للهيمنة السورية التي تحظى برضا الميليشيا التابعة لإيران. اليوم يتعامل الكثير من الفرقاء اللبنانيين مع حزب الله بحذر شديد هو أشبه بالتزلف خشية أن يلتحقوا بالحريري.

يعرف سياسيو مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي في العراق أن هادي العامري الذي يضم ائتلافه مجموعة من القتلة الذين ظهرت أسماؤهم على قوائم الإرهاب يحضر إلى مجلس النواب وأصابعه تلعب بالقنابل اليدوية التي يخبئها بين ثيابه.

هناك الاف المقاتلين في انتظار إشارة منه ليحولوا نهار ذلك المجلس إلى ليل دامس. يعرف تجار المحاصصة الطائفية أن القاتل الذي خُيل إليهم أنه قد أُستأجر من أجل حمايتهم قد تحول إلى وحش يحصي أنفاسهم ويفرض عليهم إرادة أسياده.

ما يجري في العراق هو نسخة مطابقة لما جرى ويجري في لبنان.

لقد تم القبول بميليشيا حزب الله في الحياة السياسية نفاقا تحت شعار الثناء على المقاومة ودفع دينها على الوطن فإذا بتلك الميليشيا وقد تحولت إلى سيد على لبنان تفرض عليه رئيسا تابعا لها.

وهو ما فعله العامري في العراق حين فرض على مجلس النواب رئيسا، يُشير تاريخه إلى أنه كان مقاولا لدى الأميركان وانتقل مؤخرا بولائه إلى إيران.

لعبة "عسكر وحرامية" لكن في نسخة معدلة تنسجم مع خرائط الفساد التي صارت تتسع في عصرنا العربي.

العسكر هنا يحمون الحرامية، لكنهم قد يقتلونهم في أية لحظة صدام.

وليس من باب التكهن القول إن مصير كل سياسيي العراق إن لم تقلب الولايات المتحدة المعادلات هناك صار في قبضة الحشد الشعبي مثلما هو حال سياسيي لبنان الذي لم تعد لديهم سوى العناية الإلهية لإنقاذهم من الفخ الذي سقطوا فيه حين سمحوا لميليشيا إيرانية بالتمدد سياسيا.

خطط العامري لإقامة دولة الحشد الشعبي بعد الانتصار على داعش وهو ما يؤكد الانتصار الإيراني على المجتمعات العربية. هناك دولة الحوثيين في اليمن وهناك دولة حزب الله في لبنان لتنضم إليهما دولة الحشد الشعبي في العراق. ولا فرق بين تلك الدول ودولة داعش.

لن يكون مستبعدا أن تكون دولة داعش هي الأخرى تابعة لإيران.

ما أحذر منه لا يتعلق بمصير النخب السياسية التي لا تستحق نظرة اشفاق بسبب انحطاطها وفسادها وجريها وراء منافعها بل بمصير مجتمعات سيخيم عليها شبح العسكرة الانتقامية وتطبق عليها ثقافة الموت وتسلمها الميليشيات للخواء والعبث واللاجدوى.

ليس لدى زعماء الميليشيات المأجورة من قبل دول وأجهزة مخابرات ما يقدمونه إلى مجتمعاتنا سوى الموت. يتساوى في ذلك بن لادن وقيس الخزعلي وحسن نصرالله وأبو بكر البغدادي وهادي العامري.

كل هؤلاء القتلة هم عرابو الخراب.