عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):
ضعف خامنئي وآفاق «حرب التحرير الحتمية الثانية»
تفاقم أزمة ضعف قيادة نظام الملالي ومصير "حرب التحرير الثانية"
إن الوضع الراهن لنظام الملالي المُطِل على أعتاب تحولات جديدة يكشف أكثر من أي وقت مضى عن الضعف المتفاقم لخامنئي؛ ووقوع نظام ولاية الفقيه برمته في دوامة من الأزمات المصيرية.. فمن ناحية تُشير تصريحات خامنئي العدوانية الاستعراضية ضد أمريكا إلى مأزقه في مجال السياسة الخارجية، ومن ناحية أخرى فإن التحركات الداخلية بين عصابات الحكم واعترافات عناصرها لتنبئ بنقطة تحول تاريخية قاسمها المشترك هو جاهزية المجتمع لـ "انتفاضة مصيرية" ووضع نهاية لعمر الدكتاتورية الدينية.
1. التشدد من موقع الضعف: تراجع خامنئي وسقوطه في عتبة لاريجاني
المواقف الأخيرة لخامنئي التي لا تزال تقرع طبول الموقف المعادي لأمريكا ليست نابعة من موقع قوة بل هي انعكاس لخوفه من الانهيار الداخلي.. وقد تكرر هذا الموقف صراحةً في تصريحات سعيدي رئيس المكتب العقائدي السياسي للقيادة العامة للقوات المسلحة الذي رفض تحليل أن مصدر الخلاف مع أمريكا يقتصر على قضية وكر التجسس، واعترف قائلاً: "نحن أمام تحول إيران.. التحول الذي يشكل محوراً في اتجاهين: أحدهما نقل السلطة من الغرب إلى الشرق، والثاني نقل السلطة من محور الباطل إلى محور الحق؛ أي وفقاً لمفهوم آخر الزمان...".. لقد أرجع سعيدي أصل الخلاف إلى "صراع الحق والباطل" و "ولاية اليهود مع ولاية أهل البيت"، ولخص استراتيجية البقاء في جملة مُرَّة: "موتنا وحياتنا مرتبطان بصمودنا... العدو يعلم أنه إذا تراجع فسيُباد، ونحن أيضاً إذا تراجعنا فسنُباد" هذه الجملة هي خلاصة استراتيجية بقاء النظام.. إما إشعال الحروب والمقاومة في وجه المجتمع أو الاستسلام لإرادة الشعب والسقوط المحتوم.
لقد أصبح كيان خامنئي عارياً ضعيفاً إلى درجة أنه بات مضطراً لتعويض الفشل بالفشل وترميم التصدعات الداخلية للنظام بأدوات الخراب كالاستعانة بأدوات كان قد أقصاها بنفسه سابقاً كـ علي لاريجاني ذلك الرمز المحروق الذي رفض مجلس صيانة الدستور (بأمر من خامنئي) أهليته في الانتخابات الماضية واليوم يتحول إلى متحدث باسم الولي الفقيه ومُكَلَّف بنقل الرسائل وصناعة أدوات الضغط للتغطية على ضعفه.. هذا التراجع المُهين يحمل رسالة واضحة مفادها أن خامنئي لم يعد يمتلك قوة متقدمة يُعتمد عليها للسيطرة على الأزمات، والأجواء الداخلية والخارجية المضطربة.. لقد لجأ إلى شخصيات غير موثوقة ومُبْعَدة كحالة الإذلال هذه لـ لاريجاني وفي الوقت ذاته يضطر إلى استخدامه الأمر الذي يؤكد على تفاقم ضعف وتفكك نظام خامنئي.
2.المرحلة الجديدة من أزمة الخلافة: ما وراء تقاسم الغنائم
لقد تحولت أزمة خلافة خامنئي من مجرد نقاش داخلي مُغلق إلى هاجس مُلِح وعلني لجميع عصابات الحكم.. ففي السابق كان الصراع حول الخلافة يدور فقط حول "الحصول على حصة أكبر في السلطة والنهب والسرقة؛ لكنها اليوم تجاوزت هذه المرحلة.. ومع انكشاف أزمة البقاء وزيادة مُعامل الانتفاضة أدركت جميع الخواص وعصابات الحكم هذه الحقيقة المُرَّة.. فالقضية الأساسية لم تعد تقاسم الحصص بل البقاء أو عدم البقاء في "مرحلة ما بعد خامنئي" وإن تزايد النقاشات حول نقل السلطة هو في الحقيقة اعتراف بأن النظام دخل مرحلته النهائية ولم يعد يتمتع بالاستقرار.. وأن الجميع يسعون للحفاظ على موقعهم وحصتهم من المائدة التي تُوشك على الانتهاء في اليوم التالي لخامنئي، وهذا يعني أنه لا أحد حتى أقرب المقربين من وكر القيادة يثق في استمرار ولاية الفقيه دون منازع في المستقبل.
3. اعتراف النظام الحتمي بالمأزق: حرب، استسلام أم مقاومة؟
إن اعترافات العناصر الداخلية في النظام هي أيضاً تأكيد على المأزق الحالي. فقد أبرز محمد خاتمي الرئيس الأسبق المسار الذي اختاره الشعب الإيراني بشكل لا إرادي وذلك عندما طرح ثلاث خيارات أمام النظام: الحرب، الاستسلام، أو المقاومة، وفي السياق ذاته يرى سعيدي ثلاث مسارات أمام الشعب الإيراني: «أولاً: الاستسلام لأمريكا، وهيهات منا الذلة، وهو شعار أهل الأهواز، وثانياً: القتال... وثالثاً: محور المقاومة الفعالة والصمود».. هذه الاعترافات تدفع النظام إلى النقطة المقابلة لمطلب الشعب، وتُعرف هذه الخيارات في أدبيات مقاومة الشعب الإيراني بشكل مختلف:
- الحرب: الخيار الذي يحاول خامنئي فرضه على الشعب من خلال توسيع رقعة إشعال الحروب في المنطقة وذلك لكسب الوقت وتصدير الطاقة الاحتجاجية إلى خارج الحدود.
- الاستسلام: الاستسلام لإرادة الشعب ومطلبه الرئيسي وهو إسقاط النظام بكامله.
- المقاومة: وهو المسار الذي سلكته منظمة مجاهدي خلق والشعب الإيراني في وجه الاستبداد الديني، والذين يطالبون بـ "حرب التحرير الثانية".
- إن طرح هذا النقاش من قبل العناصر الداخلية يدل على الارتباك الاستراتيجي بين قادة النظام والاعتراف بأن الساحة الإيرانية لم تعد تحتمل الخيارات الوسطى والإصلاحية، وقد شدد أحمد خاتمي عضو مجلس الخبراء في خطاب له بمناسبة 13 آبان (نوفمبر) على شدة هذا المأزق حيث اعتبر "تهديد مقام الولي الفقيه" الذي أعلنت عنه جميع المرجعيات بأنه "محاربة" و "حكمه الإعدام" هو إحدى مؤامرات أمريكا.. كما رفض أي مفاوضات بشعار "الموت لأمريكا" و "هيهات منا الذلة" قائلاً: «هذه أمريكا لا تريد تفاوضاً بل تريد استسلاماً، وهذا الشعب العاشورائي لن يستسلم، والحقيقة هي أن “هذه المواقف المتطرفة تُغلق الطريق أمام أي مرونة داخلية أو خارجية".
ما يمكن قوله على وجه الدقة هو أن النظام نظام خامنئي والمنتفعين اليوم ليسوا سوى مشروع طفيلي متهالك دخل في مرحلة افتراس الذات، وما يمر به النظام من تخبط خير دليل على ذلك.
عبدالرزاق الزرزور - محامي و ناشط سياسي فعال سوري


