عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):

كيف وقعت الدكتاتورية الدينية تحت حصار المآزق الداخلية والخارجية؟

لقد ولّى زمن الصعود الوهمي لخامنئي وجهاز ولاية الفقيه الذي كان يعتمد على استراتيجية «تصدير الأزمة» وتوسيع النفوذ الإقليمي. تشير الشواهد اليوم بأعداد لا تُحصى إلى أن المشروع المسمى «العمق الاستراتيجي»، الذي استُنزِفت لأجله ثروات الشعب الإيراني الوطنية بتكاليف باهظة لسنوات طويلة، لم يتمكن فحسب من ضمان بقاء هذه الديكتاتورية، بل تحول الآن إلى العامل الرئيسي لتصعيد عزلتها وتسريع سقوطها. يجد نظام ولاية الفقيه نفسه حاليًا في واحدة من أكثر منعطفاته التاريخية هشاشة؛ محاصرًا بمآزق متقاطعة لم تترك له أي طريق للفرار. إنها لحظة تاريخية فاصلة تؤكد أن الأوهام الاستراتيجية تحولت إلى كوابيس وجودية.

الانقلاب المشؤوم لـ «العمق الاستراتيجي» إلى حبل مشنقة

كان الهدف الأساسي لخامنئي من الاستثمار غير المحدود على المجموعات الوكيلة في المنطقة هو بناء درع أمني وهمي لطهران، ليتسنى له ضمان بقائه من خلال المساومات الإقليمية والابتزاز. ولكن الواقع يشير إلى أن أداة الضغط هذه قد تحولت الآن إلى المصدر الرئيسي لفرض التكاليف الدولية والداخلية على نظام. إن إنفاق مليارات الدولارات على الميليشيات الوكيلة، في الوقت الذي يعيش فيه غالبية الشعب الإيراني في فقر مدقع، قد رفع الكراهية الاجتماعية إلى أعلى مستوياتها التاريخية. إن العزلة العالمية لـ نظام وإدراج الحرس الثوري في القوائم الإرهابية هي نتيجة مباشرة لهذه السياسة الفاشلة التي جلبت العار والمخاطر. الرسالة التي عادت من المنطقة إلى الداخل واضحة: سياسة الهروب إلى الأمام لم تعد طريقًا للنجاة من الانتفاضة الحتمية. لقد خسر النظام أوراق ضغطه وتحولت هذه الأوراق إلى أعباء تثقل كاهله وتسرع من انهياره المحتوم.

المأزق الاقتصادي والغضب المتراكم للشرائح المحرومة

على الساحة الداخلية، يشبه الاقتصاد المنهار مستودع بارود على وشك الانفجار. لم يعد بالإمكان إخفاء هذه الأزمة الاقتصادية الكبرى، التي تتجذر في الفساد المستشري والممنهج داخل بيت ولاية الفقيه والمؤسسات التابعة له. إن السياسات النهبية، وتخصيص ميزانيات فلكية للمؤسسات القمعية والمشاريع العسكرية، إلى جانب التضخم غير المسبوق، قد أحدثت كارثة إنسانية شاملة. ارتفاع الأسعار اليومي، والسقوط الحر في قيمة العملة الوطنية، وتضاؤل موائد الشعب يومًا بعد يوم، أدت إلى اتساع نطاق احتجاجات الشرائح المختلفة بشكل متزايد. من صرخات المتقاعدين والمعلمين إلى عمال النفط والممرضين، الجميع يحمل رسالة مشتركة: عدم القدرة على تحمل الوضع الراهن. لقد أثبتت هذه الحركات الاجتماعية بوضوح أن الشعب الإيراني يرى جذور المصائب ليس في العوامل الخارجية، بل مباشرة في رأس نظام، وليس لديه أي أوهام حول إمكانية إصلاح هذا الهيكل. هذه الكتلة الشعبية الغاضبة تشكل التهديد الأكبر والوجودي للسلطة.

آلة القمع؛ عرض للذعر لا للقوة

في مواجهة هذا الانفجار الوشيك، الأداة الوحيدة المتبقية لـ نظام هي التصعيد الوحشي للقمع والقتل. إن الزيادة الجنونية في إحصاءات الإعدامات في الأشهر الأخيرة، وخاصة إعدام الشباب والسجناء السياسيين، ليست رمزًا للقوة، بل دليل على الخوف والذعر العميق للديكتاتور من الانتفاضة القادمة. يحاول نظام تخويف المجتمع عن طريق نصب المشانق. لكن الأدلة الواقعية، مثل المقاومة الباسلة للسجناء السياسيين وحملة «ثلاثاءات لا للإعدام» القوية، تظهر أن هذا السلاح قد انقلب على الساحر. فكل إعدام، بدلاً من بث الخوف، يزيد من الغضب والاشمئزاز العام ويزيد من عزم جيل الشباب على الإسقاط. كل حبل مشنقة يقيمه النظام يشد في الواقع خناقه هو ويقرب المسافة بينه وبين السقوط الحتمي.

الأفق المشرق مع المقاومة المنظمة

في الوقت الذي أُغلِقت فيه جميع سُبُل الهروب أمام الديكتاتورية الدينية، فإن القوة الوحيدة التي تبقي الأمل حيًا في قلوب المجتمع هي وحدات المقاومة التي تكسر جدار القمع وتُمهد طريق الانتفاضة من خلال عملياتها الجريئة. تؤكد جميع التحليلات السياسية والتاريخية أن هذه الديكتاتورية قد وصلت إلى محطتها النهائية. إنها حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها.

في هذه اللحظة الحساسة، فإن القوة الطليعية والمنظمة الوحيدة التي تمكنت من كسب ثقة الشعب والدعم الدولي، من خلال تقديم برنامج محدد للمرحلة الانتقالية وخطط ديمقراطية لمستقبل إيران، هي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي. إن النصر النهائي، وإرساء الحرية والديمقراطية في إيران، يمر فقط عبر طريق هذه المقاومة المنظمة والبديل الديمقراطي.

عبدالرزاق الزرزور - محامي وناشط حقوقي سوري