عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):

لقاحات كورونا والعقود النفطية: فتح "الصندوق الأسود" للنظام الإيراني

لم يعد الفساد في إيران مجرّد اتهام تتداوله المعارضة أو تقارير دولية، بل بات اعترافًا صادرًا من داخل مؤسسات النظام نفسها. تصريحات العضو شهرياري في برلمان النظام الإيراني بشأن مليارات لقاحات كورونا المهدورة والعقود النفطية المشبوهة مع الصين تمثّل لحظة فارقة، أشبه بفتح "الصندوق الأسود" لمنظومة حكم تقوم على النهب، وتغليف المصالح الضيقة بشعارات السيادة والمقاومة.

لقاحات كورونا: من إنقاذ الأرواح إلى تجارة الدم

بحسب ما كُشف، خُصصت مليارات الدولارات لاستيراد لقاحات معتمدة خلال ذروة الجائحة، إلا أن هذه الأموال تبخّرت بلا أثر. لم يكن الفشل نتيجة عجز إداري، بل ثمرة قرار سياسي متعمّد، بدأ بحظر اللقاحات الغربية، ومرّ بفرض منتجات محلية غير مكتملة، وانتهى بتحويل الأزمة الصحية إلى سوق سوداء مربحة لشبكات مرتبطة بمراكز النفوذ. النتيجة كانت آلاف الوفيات التي كان يمكن تفاديها، وانهيار ما تبقّى من ثقة المجتمع بالدولة.

العقود النفطية مع الصين: سيادة مُقايَضة بالاستمرار

إلى جانب ملف اللقاحات، فتح شهرياري نافذة على العقود النفطية مع الصين، التي أُبرمت في ظروف غامضة وبشروط غير متكافئة. هذه العقود لم تكن شراكات استراتيجية، بل صفقات إنقاذ للنظام مقابل تقديم النفط الإيراني بأسعار مخفّضة، وبضمانات طويلة الأمد تُقيّد الأجيال القادمة. هنا يتجلّى التناقض الصارخ بين خطاب "الاستقلال" وواقع الارتهان الاقتصادي.

لماذا الآن؟ صراع الأجنحة لا صحوة الضمير

توقيت هذه التصريحات ليس بريئًا. فالنظام، تحت ضغط اقتصادي خانق وعزلة دولية متزايدة، يشهد تصدعات داخلية بين أجنحته. فتح بعض الملفات لا يعكس إرادة محاسبة حقيقية، بل محاولة إعادة توزيع المسؤوليات وامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد، من دون الاقتراب من مركز القرار الفعلي حيث تُصنع السياسات وتُدار الثروات.

الغضب الشعبي: من الكبت إلى الانفجار

المجتمع الإيراني يقرأ هذه الاعترافات بوصفها دليل إدانة، لا خطوة إصلاح. عائلات الضحايا، والعاطلون عن العمل، والمتضررون من التضخم، يرون في ملف اللقاحات والعقود النفطية رمزًا لمنظومة تقدّم بقاءها على حياة المواطنين. ومع انسداد الأفق الاقتصادي والسياسي، يتحوّل هذا الغضب إلى برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة.

دلالات استراتيجية: نظام غير قابل للإصلاح

تكشف هذه الوقائع حقيقة بنيوية: نظام الملالي غير قابل للإصلاح من الداخل. فغياب قضاء مستقل، وهيمنة الحرس الثوري على الاقتصاد، وتحويل البرلمان إلى واجهة شكلية، تجعل أي كشف داخلي مجرّد حلقة في صراع السلطة، لا مسارًا للمساءلة.

الخيار الاستراتيجي للمجتمع الدولي: الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ضد نظام الملالي

  • دعم انتفاضة الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة: الاعتراف الصريح بحق الشعب ووحدات المقاومة في الدفاع عن أنفسهم ضد آلة القمع التابعة للنظام.
  • إعلان الحرس الثوري منظمة إرهابية وتفكيك شبكاته الإقليمية: وضع حد نهائي لتدخلات النظام في شؤون الدول المجاورة، وطرد ميليشياته ووكلائه من المنطقة بأسرها.
  • تشكيل تحالف دولي لإسناد التغيير الديمقراطي: تحويل التعامل مع الملف الإيراني من مجرد إدارة أزمات إلى رعاية الحل الشامل، عبر الاعتراف بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ممثلاً شرعياً وبديلاً ديمقراطياً، وإحالة ملفات انتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب إلى مجلس الأمن، مع تبني رؤية البرنامج العشري النقاطي للسيدة مريم رجوي نحو إيران حرة غير نووية تقوم على فصل الدين عن الدولة وتحقيق المساواة الكاملة.
  • تطبيق سياسة الضغط القصوى والحازمة: مزج العقوبات الاقتصادية الخانقة مع الضغوط الدبلوماسية والقانونية الدولية، ورفض كلي لسياسة الاسترضاء التي أمدت عمر النظام ومكّنته من مواصلة الإرهاب والتوسع.
  • قطع الطريق على أي مفاوضات غير مشروطة أو مفتوحة: رفض العودة إلى اتفاقات نووية مشوبة بالضعف، واشتراط أي حوار بتوقف تام عن البرنامجين النووي والصاروخي، مع ضمانات رصد صارمة ومهل زمنية محددة، مع الإقرار بأن النظام يستغل المفاوضات فقط لكسب الوقت وتعزيز موقفه.

الخاتمة: الاعتراف الذي يتحوّل إلى شهادة إدانة

حين يفتح أحد أركان النظام "الصندوق الأسود"، فإن ذلك لا ينقذ النظام، بل يفضح جوهره. فملفا لقاحات كورونا وعقود النفط مع الصين لم يعودا مجرد فضائح مالية، بل شهادة تاريخية على نظام اختار المقايضة بين الثروة والسلطة، وترك المجتمع يدفع الثمن.