عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):
مفارقة السلطة في طهران.. الصراعات الداخلية للنظام وتداعياتها الاستراتيجية
تُظهر دراسة التطورات الأخيرة لـ نظام الملالي الحاكم في إيران أن النظام إلى جانب تحدياته الخارجية، منغمس في أزمة حوكمة عميقة على المستوى الداخلي.. فقد تحولت الجلسة العلنية لـ مجلس شورى الملالي التي كان من المفترض أن تكون رمزاً للوحدة الظاهرية بعد الانتخابات الأخيرة إلى منبر لعرض التناقضات والصدوع العميقة بين أجنحة السلطة.. هذه الصراعات التي تجلّت في الهجوم على «حكومة بزشكيان» بسبب «السجل الاقتصادي» تتجاوز طبيعة المنافسة السياسية؛ إنها نزاع حول تقسيم الموارد المفلسة والحفاظ على حصة الامتيازات من النهب الوطني.
الاعترافات الصريحة من قبل النواب بشأن دين قدره 6 مليارات دولار والأزمات الهيكلية «مثل أزمة المياه الكبرى» في المدن الرئيسية تشير إلى انهيار إداري وإفلاس استراتيجي في منظومة السلطة برمتها.. هذه الخلافات داخل النظام لا تقدم حلاً بل تعيد إنتاج معضلة هيكلية: حيث أن النظام بات غير قادر على إدارة أبسط الاحتياجات الحيوية لمواطنيه؛ لكنه يكرس كل طاقته للحفاظ على هيمنته على السلطة.. هذا الصراع بين أجنحة القوة يُسرّع أكثر من أي شيء آخر في عملية تآكل شرعية النظام حتى بين المنتفعين منه وذلك من وجهة نظر المراقبين الإقليميين والدوليين.
تصعيد القمع.. الإرهاب الحكومي لكبح عدم الاستقرار
في ظل انكشاف ضعف النظام وفقاً للأبعاد الاقتصادية والإدارية فإن الاستراتيجية الوحيدة المتبقية للحفاظ على هيبة وبقاء النظام ظاهريا هي تصعيد الإرهاب الحكومي داخلياً.. يجب تحليل إعدام 31 سجيناً في الأيام الأخيرة أي ما يعادل إعداماً كل ساعة ونصف تقريباً، كـ سياسة ترهيب متعمدة.. وإن هذه الموجة غير المسبوقة من القتل ليست مجرد تطبيق للعدالة بل هي محاولة منهجية لـ القمع النفسي للمجتمع ومنع انضمام الشرائح الساخطة إلى صفوف الاحتجاجات الأوسع؛ ووفقاً لهذا السياق فإن عمليات إحراق الذات الاحتجاجية من قِبل أفراد كرد فعل على الفقر واليأس، وكذلك مقاومة السجناء في إيفين ضد حرس القمع لتدل على أن الإرهاب الحكومي يواجه مقاومة فعالة..هذا الصدام الدموي في السجون والشوارع هو دليل على أن النظام مضطر لزيادة جرعة القمع باستمرار من أجل بقائه؛ وهو وضع سيؤدي على المدى الطويل إلى انفجار غير قابل للسيطرة.
تفعيل البديل.. استراتيجية وحدات المقاومة من أجل التغيير
في مقابل استراتيجية القمع والاضطراب الداخلي فإن أنشطة وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق تعمل على لعب دور محوري كبديل منظم وهجومي.
إن أنشطة وحدات المقاومة تحمل رسالة استراتيجية واضحة مفادها أنه: على الرغم من أن النظام يحاول دفع المجتمع إلى الخمول عن طريق الإعدام والترهيب فإنها أي وحدات المقاومة تبقى كـ قوة منظمة عازمة على رفع راية الكفاح في جميع أنحاء البلاد.. وإن هذه العمليات الدعائية والنارية في مختلف المدن المختلفة بما في ذلك ضد البلديات الفاسدة ومراكز القمع لتعطّل آلية الترهيب لدى النظام..وإن وحدات المقاومة من خلال هذه الإجراءات الهجومية لترسل رسالة أمل موجهة إلى الفئات المحتجة لتؤكد على إمكانية التغيير.. كذلك فإن وحدات المقاومة تلعب دورها الحيوي في الربط بين الغضب العام والعمل المنظم للإطاحة بالنظام.
إن قوة المقاومة هذه بتقديمها لبرنامج سياسي واضح مثل شعار "مريم رجوي: انتفاضة نوفمبر تقضي على النظام" ومن هنا فإنها ليست مجرد معارضة سياسية بل هي المنظم الرئيسي والمحفز لتوجيه المجتمع نحو إسقاطٍ كامل لـ نظام الملالي.
تُستكمل هذه الاستراتيجية النضالية في الداخل بقيادة منظمة على المستوى العالمي ممثلة في السيدة مريم رجوي؛ فمن خلال تقديمها لـ "برنامج المواد العشر" لمستقبل إيران تسعى لتعبئة الدعم الدولي لصالح هذا البديل الديمقراطي، وإن لقاءاتها ومؤتمراتها وخطاباتها في البرلمانات الأوروبية والعواصم العالمية لا تكتفي بكشف أبعاد جرائم وإرهاب النظام بل تبرز قدرات وحدات المقاومة مؤكدة أن البديل الديمقراطي لإيران هو خطة عملية ومنظمة.. وهذه الأنشطة الدبلوماسية في الواقع تقوي الجدار السياسي الحامي للمناضلين في الداخل وتُهيئ الأرضية اللازمة للاعتراف بشرعية الحق في تغيير مرتقب ومنظم على الساحة الدولية.
تكامل الأزمات.. من الأزمة النقابية إلى آفاق الانتفاضة
بالتوازي مع أنشطة وحدات المقاومة فإن الموجة الواسعة من الاحتجاجات النقابية والشعبية في جميع أنحاء البلاد لتعبر عن أزمة الشرعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لـ النظام.. فإضراب الممرضات في مشهد والعمال في بارس الجنوبي، والتجمعات المتتالية للمتقاعدين والموظفين والمتضررين مالياً في طهران وغيرها من المدن تظهر أن الاستياء لم يعد يقتصر على طبقة معينة.. هذه الاحتجاجات المتفرقة في إطار تحليلي استراتيجي هي الأرضية الأساسية لإجراءات وحدات المقاومة.. وبعبارة أخرى فإن أزمة الحوكمة لـ النظام والفساد المؤسسي توفر الوقود اللازم لاستمرار المقاومة المنظمة وتؤدي في النهاية إلى دفع البلاد نحو انتفاضة شاملة.
عبدالرزاق الزرزور - محامي وناشط سياسي سوري


