فاروق يوسف يكتب:

اعتلال مخيف في الصحة الإنسانية

من يمتلكون الصحة والمال، لا يشعرون بحال أفضل بشكل دائم. ليست العلة في المال والقلق اللذين يصاحبان امتلاكه، وبالطبع الإنسان عندما يشعر بسلامة جسده، لا يوجد سبب يدفعه إلى إيذاء نفسه. مع ذلك يتساوى هؤلاء الناس مع غيرهم في الإصابة الجماعية بالاعتلال.

ثمة اعتلال معاصر لا يمت بصلة إلى الأسباب التاريخية التي كانت تصيب صحة مجتمعات بالأوبئة وتؤدي إلى الوهن والتردي، إنه نوع مستحدث من الاعتلال الذي يؤذي الإنسان اليوم، أكبر بكثير من القلق القاتل، اعتلال ليس كما يختار المرض إيقاف نبض القلب، وتليف الكبد وإسكات الدماغ.

لم تتأثر أعضاء الإنسان المعاصر بمرض ما، مع ذلك فهو يشعر بالاعتلال، فلم يعد الاعتلال بالصحة فقط، هناك اعتلال اجتماعي يبرز أنواعا جديدة من البشر تتوحد وتخترق المجتمعات مطالبة بفكرة مدمرة، الشعبوية والعنصرية في الغرب، هما اعتلال صحي معادل في قوته المرضية للطائفية والعشائرية في المجتمعات الشرقية. ويعلو فوق تلك القوة نوع مخيف من الكراهية يكاد يصيب مجتمعات برمتها، وتحول كل القوانين المرعية وقوة السلطات دون إيقافه.

نعم هناك شعوب أكثر حظاً بكثير من نظيرتها في أماكن أخرى، عندما يشعر الإنسان فيها أن كرامته مصانة، وليس كما الشعوب غير المحظوظة التي يهان أبناؤها في الطرقات من قبل رجل أمن، وأصبح اليوم رجل الدين في المجتمعات العربية يمتلك زمام توجيه الإهانات!

ثمة جهد تنظيري وبحثي لهذا الاعتلال الذي بات يصيب المجتمعات؟ هناك تأثير مؤذ لحلقة مفرغة تنطوي على انخفاض الثقة، والبطالة، والشعور بالظلم والغبن يتحول إلى قدرة مخيفة لممارسة القتل تحت مسوغ الدفاع عن المذهب والقومية والعشيرة. الوباء الجديد لا يضع في قاموسه الوطن، لأن الوطنية دواء جامع ضد الأوبئة برمتها، لذلك يختفي هذا المفهوم بسرعة مخيفة.

جون أوثرز المحلل في صحيفة فايننشيال تايمز، يعزو الوباء إلى جانب مالي صرف، لكن الأزمة تتشابك لتصبح أخلاقية وبشرية، إنها أزمة بيولوجية في طبيعة الإنسان المعاصر.

ويقول “هناك مجال لحجة منطقية حول السببية، لكن يبدو من الواضح أن مجموعة كبيرة من السكان عالقة في حلقة مفرغة بشكل مأساوي. عانت صحتهم المالية إلى جانب صحتهم الجسدية، ما جعل من المستحيل تقريبا إفلاتهم من الصعوبات الاقتصادية”.

السياسيون وأصحاب المصالح الأنانية بما فيهم رجال الدين الذين عادوا إلى المشهد عبر قلب التاريخ رأسا على عقب، دائما يدفعون بالكلام فقط عن التعافي من الكارثة. لكن هناك أسبابا وجيهة تجعل معظم الناس يشعرون الآن أنهم لا يتمتعـون بصحـة إنسانية أكثر مما كـان يتمتع بها الأجداد، بالرغم من الأوبئة المرضية والحروب والجوع الذي تفشى!

هذا يعني ببساطة أننا أضعنا القصة التي نبحث عنها وصار الإنسان عدو نفسه، لذلك ينبغي أن نتساءل عما إذا كان ينبغي لنا أن نستمر في الحديث عن الإنسان العاقل باعتباره نوعا منفردا؟