فاروق يوسف يكتب:
هل ممارسة الطقوس الدينية ضرورية؟
الدين ليس طقوسه بل فرائضه. أن تكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو هندوسيا أو بوذيا فذلك شأنك الخاص الذي لا يحق لأحد أن يناقشك فيه. وهو ما جرى الاتفاق عليه.
لست هنا في صدد مناقشة الحق في التصريح بالتدين، وهو مصطلح غريب صار يُستعمل بدلا من الإيمان ولكنني أرغب في فهم الظاهرة الدينية التي تُقاس على أساس ما يُمارس من طقوس، لا صلة لها بالدين بل هي محاولات للتذكير بوقائع تاريخية هي موقع خلاف بين المؤرخين.
لقد سطت المرويات على التاريخ (الديني) فصارت جزءا منه.
كما استولت تلك المرويات على عقول الناس البسطاء وسلبتهم القدرة على التفكير بقيمتها على مستوى ديني. غير أن المفجع فعلا أن تحل تلك المرويات محل الأصول الدينية.
كان ذلك الحدث تحولا خطيرا في المفاهيم الدينية، بحيث صار الناس العاديون يتبعون الطقوس التي فرضتها المرويات من غير أن ينتبهوا إلى تعارضها مع العقيدة. وهو ما يلقي بمسؤوليته على رجال الدين الذين صاروا واجهة لجماعات متشددة، صارت تطالب علنا بتطبيق شريعة، يُشك الكثير من مؤرخي الظاهرة الدينية أنها كانت مطبقة في مرحلة ما من مراحل صعود الحضارة العربية ــ الإسلامية.
الشريعة التي فرضتها التنظيمات الإرهابية المسلحة على المناطق التي استولت عليها في العراق وسوريا ليست أسوأ من الطقوس الحسينية التي صارت الحكومة العراقية تنفق عليها ملايين الدولارات.
الجنون الجماعي نفسه، لكن بصيغ شكلية مختلفة.
لا يجرؤ أحد أن يسأل عن المعنى من وراء ذلك بسبب ارتباط ما يحدث بالظاهرة الدينية. الخوف من الدين هو أسوا ما تركته الأنظمة السياسية العربية من ارث ثقيل لا يزال يتحكم بطريقة تعامل الإنسان العربي مع ما يحيط به من شروط الواقع.
لقد وضعت الرقابة الرسمية ثلاثية الجنس والدين والسياسة في قائمة الممنوعات الصارمة. فكان ممنوعا ولا يزال أن يتم التطرق إلى واحد من تلك الاقانيم الثلاثة.
ذلك المنع منح المتطرفين فرصة لإشاعة مفاهيمهم التي لا تمت إلى الدين بصلة. إنها مجرد خزعبلات وتفاهات حمتها للأسف رقابة الدولة.
لم يجرؤ أحد أن يقول للمتطرفين "إن الإسلام لا يقيم في طقوسكم ولا في شريعتكم". وحتى حين منع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ممارسة الطقوس الحسينية بكل ما تنطوي عليه من لطم وضرب للظهور بالحديد وشق للرؤوس بالسكاكين فإن هناك مَن لامه لأنه وقف ضد طقس ديني شعبي.
قيل يومها إن الرئيس العراقي كان طائفيا حين منع اللطم والعويل والتطبير والمسيرات الجنائزية المجانية وضرب الظهور بالحديد. ومن المؤسف أن البعض يربط بين تلك الممارسات العبثية والمجانية المضرة والحرية، فيُقال "حرية ممارسة الطقوس الدينية". وهي عبارة تنطوي على قدر كبير من الإساءة إلى مفهوم الحرية.
كل الطقوس الدينية من غير استثناء هي علامة اختلاف. محاولة من جماعة منطوية على نفسها لإشهار اختلافها في وجوه الآخرين حتى وإن كان أولئك الآخرون يؤمنون بالدين نفسه الذي تؤمن به تلك الجماعة. فالطقوس الحسينية التي لا يمارسها إلا غلاة الشيعة هي محل استفهام بالنسبة لأفراد الطوائف الإسلامية الأخرى، بل أن البعض منها يستنكر تلك الطقوس لغرابتها وانقطاع صلتها بالدين الإسلامي.
وعلى العموم فإن كل الطقوس الدينية بما فيها زيارة أضرحة الائمة والأولياء وتقديم النذور والقرابين هي ليست من الدين في شيء. إنها بُدع مضللة، ضررها واضح وما من نفع منها على الاطلاق حتى على مستوى تقوية الإيمان إذا لم نقل إنها تضعفه.
وما الحماسة التي يُظهرها الفاسدون في العراق لتلك الظاهرة إلا دليل على ما تنطوي عليه من إساءة للقيم الدينية التي تقف النزاهة في مقدمتها.
علينا أن نحتكم إلى العقل في الحكم على ظاهرة يتبناها الفاسدون.