يعقوب السفياني يكتب لـ(اليوم الثامن):

لا للمناطقية ونعم للجنوب

استغرب كثيرا عندما يتحدث من نعتقد بأنهم مفكري ومثقفي الجنوب بلغة مناطقية نتنة وجاهلة ويثيرون الفتنة بين ابناء الجنوب على القنوات الفضائية وفي الصحف ومواقع التواصل الاجتماعية وشريحة كبيرة منهم للأسف تعتقد أنها تحسن صنعا وان لغتها المناطقية نضال من اجل الجنوب الجريح المظلوم ، عندما لا يسلم من هذا الوباء حملة الشهادات العلمية الراقية والمثقفون وكثير من الكتاب الكبار فهذه اشارة على حجم الكارثة التي نعيشها في الجنوب والتي لن تقوم واكررها لن تقوم لنا قائمة ما دامت تعشعش في عقول ابناء الجنوب بسطاءهم ومثقفيهم عامتهم وقادتهم بحسن نية غالبا وبخبث احيانا اخرى.

لما يصطف الجنوبيون مناطقيا ؟ ، ان حرب ياناير 1986 هي نسخة من مئات النسخ من قريناتها في العالم ، ليست البعبع الذي نتخيله جنوبا فقد حدثت حروب داخلية في كثير من دول العالم فتكت بالملايين ان كنا في الجنوب بضعة الالف قتلوا ففي الحرب الاهلية الاسبانية قتل ما يقارب اربعة ملايين اسباني ، فرنسا واجهت حرب اهلية شرسة ومثلها روسيا وفي كثير من الدول تكررت الحروب الاهلية اكثر من مرة لكنها تجاوزت هذه الحروب والعقبات التاريخية ولم تجعلها نقطة انطلاق الى مالانهاية من الصراعات الجهوية والمناطقية فيما بينها .

يجب ان نتجاوز في الجنوب معضلة ياناير البائسة التي هي في الاصل صراع بين اجنحة الحزب الاشتراكي -الذي حكم الجنوب- اقحم فيها خيرة ابناء الجنوب من كافة المحافظات ، وهذه مرحلة من تاريخنا الجنوبي يجب ان نقر بها كما تفعل الشعوب المتحضرة ونتعلم منها فهذا ليس عيبا وهي تجربة وحيدة للجنوب في ادغال العنف والاقتتال الدامي بجوار دولة تعتبر من اكثر دول العالم مجازر وظلم وسفك للدماء وحافلة بالانقلابات الدامية والمعارك المستمرة والسيطرة القبلية وهي دولة الشمال او ما كان يعرف بالعربية اليمنية والتي نرى كثير من مثقفيها يعيرون الجنوب بحرب ياناير وينسوا انهم من اخمص قدميهم الى رأسهم في الشمال غارقين في وحل القبلية والغدر والخيانات والحروب .

لا يجب في الجنوب ان نتوقف عند العام 1986 ، وان تضل هذه المرحلة من تاريخنا عقبة امام اي تقدم للجنوب ، وقد قطعنا في الجنوب الشوط الاكبر باعلان التصالح والتسامح وانطلاق شرارته من ردفان الثورة ردفان الصمود التي منها انطلقت ثورة الرابع عشر من اكتوبر ومنها انطلقت ثورة الوعي والتصالح والتسامح الجنوبي العظيمة ، لكن يجب ان نقر ان هذا الداء لا زال موجودا في الجنوب ، ونمارسه كثيرا دون شعور وعن حسن نية وقد لا يكون هنالك حقد او كره بين ابناء المحافظات الجنوبية لكن هنالك عميقا في اللاشعور الجنوبي رغبة باستحضار المناطقية وهذا ما يجب التنبيه له وعلاجه .

عندما تجد شعارا " يافع والضالع جسد واحد " او "يافع هي ردفان وردفان هي يافع " فاعرف انه شعار مناطقي جاهل وان كان اطلق بحسن نية ومثله شعار " ابين هي شبوة وشبوة هي ابين " كلها شعارات مناطقية تقال غالبا بحسن نية ولكن يجب التحذير منها وليكن شعارنا في الجنوب " الجنوب جسد واحد " ، فكل محافظات الجنوب من المهرة الشامخة الى عدن ثغر الجنوب الباسم هي جزء من الجسد الجنوبي الواحد الذي يتداعى بعضه لبعض ويلبي بعضه نداء بعض ، ولعل خير الامثلة على هذا هي حرب تحرير الجنوب من قوى الاحتلال وجحافل الغزو حيث اصطف ابناء الجنوب معا دون مناطقية وامتزج دمهم معا في مختلف الجبهات.

انادي ابناء الجنوب خصوصا الفئة المثقفة والمؤثرة والتي تصنع تاثيرا في اوساط الشعب الجنوبي ويقتدي بها الكثير من عامة الشعب ، اياكم والمناطقية وكل ما دل عليها من قول او فعل سواء كان بحسن نية او بغيرها ، احذروا المناطقية فالجنوب قد ارهقته الجراح والمآسي بما فيه الكفاية واحتلت اراضيه ونهبت ثرواته وقمع ثواره وها هو اليوم محررا من كل عابث ومحتل فلا تكونوا معاول هدم لهذا النصر التاريخي لهذا الشعب المكافح ، ولنستفيد من الاخطاء السابقة فليس العيب ان نخطاء ولكن العيب ان لا نتعلم من الخطاء ، وليكن معيارنا في تقييم اي جنوبي هو الكفاءة والنزاهة والاقتدار وليس منطقته ومحافظته ، ليكن انتماءنا للجنوب قبل انتماءنا للمحافظات والمناطق ونعرف دوما ان الجنوب وطن كبير يتسع لجميع ابناءه.