د. موزة العبار تكتب:

كبار المواطنين من الإرث الثقيل إلى التكريم

لا نزال في مجتمعاتنا العربية جميعها. في حاجة إلى من يذكّرنا بواجباتنا تجاه كبار السن. من الأهل والأقارب، الذين أفنوا ريعان شبابهم، وفي ظروف بالغة التعقيد، لنعيش نحن. عاشوا في ظروف صعبة وبإمكانيات بين العوز والعدم.

إن «كبار السن».. «كبار المواطنين» من مواطنينا هم شهود على عصرهم، وحملة الإرث الثقيل لجميع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا التي تنتقل من جيل إلى جيل. الذين لولاهم لما كنا نحن...!

لقد عبر الفاتح من أكتوبر جسر الزمن، والذي يصادف اليوم العالمي لكبار السن. ولعله ضرورياً أن نشير إلى أن جدلاً طويلاً قد صاحب مداولات التجمع العالمي لكبار السن، الذي انعقد في العاصمة النمساوية «فيينا» من 16 يوليو إلى 6 أغسطس 1982، لتحديد مفهوم كبار السن.

حيث تمت الموافقة على التداول بمفهوم كبار السن، عوضاً عن المسنين أو المتقدمين في السن. في الوقت الذي يتشدق فيه المصلحون الاجتماعيون في الدول الغربية، بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول ما أشار لحقوق كبار السن في الفقرة (أ) من المادة 25 من الإعلان المذكور، ونسوا أن القرآن الكريم كان قد حث الناس، كل الناس، على رعاية كبار السن من أفراد الأسرة دون تمييز...

والقارئ المتمعن في كتاب الله، يدرك أن الدين الإسلامي الحنيف، كما هو معلوم، كان سابقاً، بل وسباقاً لكل التشريعات والنظم الوضعية والتشريعات الاجتماعية المعاصرة، التي حضت على ضرورة رعايتهم والعناية بهم، وكانت نظرة الإسلام واقعية، ‏ حيث بين أن أولى الناس بالرعاية والعناية والتقدير والاحترام هما الوالدان، حيث كانا سبباً في وجود الإنسان،‏ ولذا نرى ربنا سبحانه وتعالى يوصي بهما خيرا‏ً، ويجعل حقهما عقب حقه سبحانه وتعالى فقال سبحانه وتعالى:‏ «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً‏»، ويرى علماء النفس أن التراجع التدريجي في قدرات الإنسان العقلية والجسدية والشعورية، قد يصل إلى مرحلة التدهور التي يتعذر فيها على الإنسان التكيف مع الواقع الذي يحيط به، قياساً لسنوات العمر السابقة.. ولا يختلف اثنان على أن الشيخوخة مرحلة عمرية ترتبط بنهاية دورة حياة الإنسان، ولذا لا يوجد مبرر لنسيان أو تناسي حق من تربطنا بهم صلة الرحم من كبار السن، حقهم علينا في رعايتهم والعناية بهم وبشؤونهم.

ولعل تقاعس أعداد كبيرة من البشر عن الاهتمام بذويهم المسنين، لفت نظر المجتمع الدولي للظروف المأساوية التي يعيشها ملايين المسنين في كل الدول.. وتجاوباً وتعاطفاً مع هذه الشريحة الهامة، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 47/‏‏5 لجعل مطلع أكتوبر من كل عام، يوماً دولياً لكبار السن... ومن ثم لم يكن أمام مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية للدول العربية، في دورته السادسة عشرة، إلا أن يتجاوب مع هذا القرار الدولي، فكان أن صدر القرار رقم 264، والذي نص في فقرته الثانية على أهمية تكثيف الجهود للاحتفال بالسنة الدولية للمسنين 1999. وليكن الوفاء لكبار السن قيمة أخلاقية أولاً وقبل كل شيء...

ويحزّ في النفس موقف أولئك الذين أودعوا آباءهم وأمهاتهم في عنابر المستشفيات ودهاليز دار المسنين، ونسوهم هنالك. وتناسوا أن الأيام التي دفعتهم للزجّ بذويهم في غياهب دور المسنين، قد تجيء بهم إلى ذات المكان. فكما تدين تدان؛ والأيام تحدثنا أن الأبناء يفعلون بآبائهم ما فعله من سبقوهم بآبائهم، والذي يجبر ذويه على شرب كأس مرة المذاق، تضطره الأيام لشربها حتى الثمالة.

وفي هذا الزمن العبثي «عصر العولمة البغيضة» تهتكت علاقات الناس، وتميع البناء الاجتماعي بما يحمله من قيم التراحم والتكافل والمساندة الاجتماعية، وأصبحت الفردية نزعة طاغية، والأنانية سمة مسيطرة. كالمثل الذي يقال «أنا وليذهب الآخرون إلى الجحيم»! إن تراجع دور الأسرة أصاب المجتمع في مقتل.

ومن هذا المنطلق ولكل ما سبق ذكره وبإدراك ووعي وشعور من قيادتنا الرشيدة بهموم ومكانة «كبار مواطنينا»، أكد مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، أن توفير متطلبات العيش الكريم «لكبار المواطنين» يأتي ترجمة لتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، لتوفير الحياة الكريمة لجميع فئات المجتمع في دولة الإمارات، وصولاً لرؤية الإمارات 2021 وأهداف مئوية الإمارات 2071، وذلك من خلال إطلاق السياسة الوطنية لكبار المواطنين.

وقال سموه: «وجهنا بتغيير مصطلح «كبار السن» إلى «كبار المواطنين» واعتمدنا «السياسة الوطنية لكبار المواطنين» للارتقاء بجودة حياتهم وضمان مشاركتهم الفاعلة والمستمرة ضمن النسيج المجتمعي في الإمارات»، مضيفاً: «كبار المواطنين هم كبار في الخبرة وكبار في العطاء، ولا يمكن تحقيق التماسك الأسري والتلاحم المجتمعي إلا بضمان الحياة الكريمة لهم».

لقد تم إطلاق السياسة الوطنية لكبار المواطنين كمنظومة رعاية متكاملة لضمان الحياة الكريمة لهم، وفي الوقت ذاته لضمان مشاركتهم الفاعلة في المسيرة التنموية.

شكراً لقيادتنا الرشيدة. وكل عام وكبار مواطنينا في بلادنا ووطننا العربي بصحة وسعادة وأحسن حال. واللي ماله أول. ماله تالي...!

* كاتبة إماراتية