فاروق يوسف يكتب:
فوضى الإخوان المأسوف عليها
مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بدا واضحا أن النظام السياسي العربي قد استنفد طاقته ووصل إلى لحظة موته. كان لا بد من استبداله. غير أن تلك المهمة بدت عسيرة إن لم تُنفذ عن طريق انقلابات ليست عسكرية، على الأقل في ما يظهر منها. لذلك كانت أحداث الربيع العربي مقنعة على المستوى النظري.
أما على المستوى العملي فإن إسقاط أنظمة الاستبداد لم يكن بذلك اليسر المتخيل، فما شهده الواقع كان نوعا من القفز على الخيال، فكان حلّ تلك العقدة ممكنا من خلال تغليف الوقائع الحقيقية المستترة بالفوضى العلنية.
الفوضى التي كانت أسلوبا صارت في ما بعد هدفا.
أما لماذا حدث ذلك التحول؟ ذلك كله مرتبط بالمصير الذي انتهت إليه جماعة الإخوان المسلمين بمصر، إضافة إلى اهتزاز وضع حركة النهضة بتونس والتي مارست الفوضى من موقع السلطة يوم أُتيح لها ذلك.
لم يكن يخطر على بال أحد أن تنتهي سلطة الإخوان في مصر بعد سنة واحدة من قيامها. بالنسبة لصناع الربيع العربي فإن الأمور سارت في الطريق المرسوم لها بعد أن تمكن الإخوان من الحصول على ولاء شارع، قيل يومها إنه كان المسؤول عن إسقاط نظام حسني مبارك.
كانت هناك علامة استفهام كبيرة قد جرى إخفاؤها، “فهل يُعقل أن الشعب المصري وقد ثار على سلطة فاسدة ومستبدة قد قرر أن يستسلم لسلطة شريعة الإخوان المستبدة التي ترتبط بتاريخ طويل من ممارسة العنف؟”.
بعد سنة انهمكت دوائر صنع الرأي العام في التنقيب عن أسرار تحول الإرادة الشعبية المصرية في الاتجاه الرافض لبقاء الإخوان في الحكم، حيث تم التركيز على ما سُمّي بالثورة المضادة كما لو أن حكم الإخوان هو نتيجة طبيعية لثورة 25 يناير 2011، وهو ما أضفى على ذلك الحكم شرعية ملفقة.
لقد أنقذ شعب مصر بانقلابه على حكم الإخوان العالم العربي من الفوضى التي كان كهنة الربيع العربي قد خططوا لها مصيرا لا مفر منه. كما هو الحال في العراق على سبيل المثال. هناك اليوم في العراق الآلاف من الأسباب لنشوب حرب أهلية، تساهم فيها أطراف حظيت دائما بمباركة ورضا المجتمع الدولي.
هذا ما يحدث في ليبيا واليمن وحتى في سوريا.
كانت فكرة إسقاط النظام السياسي العربي المتهرئ تقوم أصلا على استبدال ذلك النظام، قبل أن يسقط فجأة نتيجة لترهله وتفاهته وضعفه وانهيار شعبيته بنظام تنحصر مهمته في إدارة الفوضى. وليس هناك أكثر من جماعة الإخوان صلاحية للقيام بتلك المهمة.
فالجماعة التي عُرفت بتشددها الديني كانت قد مدت خيوط ارتباط تصل بينها وبين أجهزة المخابرات الغربية منذ عقود. وإذا ما كانت تلك الجماعة قد ضُربت في مصر في أوقات سابقة غير مرة، فإنها نجحت في الاستيلاء على مواقع نفوذ خارج مصر، ستكون تلك المواقع بمثابة منصات تدافع عنها حين الحاجة. وهو ما حدث فعلا يوم قررت مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة اعتبار جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا.
يومها فقط انكشفت خيوط اللعبة الدولية التي اتخذت من الربيع العربي واجهة لها، وكان النظام السياسي العربي القديم بمثابة ذريعة ليس إلا.
من يتذكر وقائع التحول الذي عاشته مصر يوم انتفض شعبها ضد حكم الإخوان لا بد أن يتذكر ذلك العرض الذي قدمته الحكومة المصرية إلى جماعة الإخوان من أجل تحولها إلى حزب سياسي معارض، فقابلته الجماعة بالرفض، متأملة بدعم غربي يعيدها إلى الحكم.
لقد أسقط في يد الغرب يومها. غير أن هناك مَن لا يزال يراهن على الفوضى.
لقد دُمّرت سوريا من غير أن يتحقق الهدف الذي يكمن في وصول الجماعات الدينية المتشددة إلى الحكم. هذا ما يحدث في ليبيا حيث لا تزال جماعات مدنية تقاوم، وهو ما يجري في اليمن الذي لا يخفي الكثيرون ميلهم إلى أن ينشر الحوثيون فوضى تبعيتهم الإيرانية.
في حقيقته فإن ذلك الربيع لم يكن عربيا.
لقد خالطته السموم القادمة من كل مكان وكانت جماعة الإخوان واجهته التي تشظت على هيئة تنظيمات إرهابية، كان ظهورها مبررا لقيام الحرب على الإرهاب التي أبادت مئات الألوف من البشر ومحت مدنا وصنعت مجتمعات قائمة على الخوف.