فاروق يوسف يكتب:
صانعة بدرجة نحاتة
بياتريس نحاتة هنغارية التقيتها ذات مرة في ملتقى فني أقيم في سلطنة عُمان، بياتريس لا تذهب إلاّ لُماما إلى بيت أهلها في بودابست، كانت لا تزال تقيم هناك لأنها لم تكن يومها قد تزوّجت.
بياتريس تقضي الوقت الأكبر من وقتها في التنقل بين المدن للمشاركة في ملتقيات النحت، لديها قائمة طويلة من الدعوات، حين عرضت عليّ إنجازاتها فوجئت أن هناك عددا محدودا من الأشكال دأبت على تكرار تنفيذها، قلت لها “إنها المنحوتة عينها في ثلاث مدن”، حينها عرضت عليّ صورا لمصغرات، كانت قد صنعتها يوم كانت طالبة.
قالت “اليوم لا وقت لي لابتكار الجديد، إنني أعمل على تنفيذ ما توصلت إليه يوم كنتُ طالبة”، ولكنها يا بياتي مجرد تجارب متعثرة لم تصل إلى مرحلة النضج، لم أقل لها.
أخبرتني أنها ليست مهتمة بمصير منحوتاتها، “السفر والإقامة في بلاد لا أعرفها هما أكثر ما يهمني”، إنها تعيش حياتها بطريقة مجانية، باسم الفن تتنقل بين المطارات والفنادق وتحظى باستقبال مهيب في البلدان التي ينتشي أهلها بمرأى الشقراوات.
بياتريس تعيش حياة استثنائية في ظل كذبة اسمها “سمبوزيوم”، هناك سلسلة طويلة من الملتقيات الفنية التي ثبتتها في سيرتها الشخصية، وهي لا تكذب في ما يتعلق بالمدن التي تركت فيها تماثيلها، غير أنها تصمت حين يتعلق الأمر بمصير تلك التماثيل التي أتوقع أنها قد أزيلت بعد أن هُدمت. لا تشعر بالحزن لما آلت إليه تماثيلها، فهي تعرف أكثر من غيرها أنها لا تملك ما يؤهلها لإقامة نصب فنية في الأماكن العامة.
بياتريس ليست نحاتة حقيقية، إنها صانعة تعلّمت العمل على أدوات النحت الحديثة، يمكن أن تكون مساعدة لنحات، غير أنها تُسعد حين يتم استقبالها باعتبارها نحاتة، وهو ما يحدث دائما في كل “سمبوزيوم” تسمعون عنه، كل الفنانين الذين يتم استدعاؤهم على عجل للحضور هم نوع من بياتريس المسافرة بين القارات.