فاروق يوسف يكتب:
رسامون متحذلقون
واحدة من أسوأ مشكلات الرسم في عالمنا العربي اليوم تكمن في حياده، إنه فن مفرغ من إنسانيته، لا لون له ولا طعم ولا رائحة.
فن محايد لا يملك قضية يقدمها أو تقدمه، قلة هم أولئك الفنانون الذين لا يزال شقاء الإنسان وكفاحه، يأسه وأمله، تعاسته وسعادته تعصف رياحها بخيالهم.
الكثرة هم التقنيون، صناع اللوحات التي تغري المقتنيين وتلعب بجيوبهم بعد أعصابهم، لقد مضى من غير رجعة زمن الرسام الذي يرفض أن لا يكون أحد سيدا على لوحته سواه.
نحن اليوم في زمن اللوحة التي تُصنع بالاتفاق والتراضي، رسام اليوم هو شخص تحت السيطرة، توجهه المؤسسات والمنسقون والمستشارون من ذوي الخبرة في السوق.
في تلك السوق ما من شيء حقيقي اسمه الرسام المتمرد، كل المتمردين الذين يُحتفى بهم هم نتاج خيال المنسقين وأكاذيبهم والكتابات الإنشائية التي تزوّق تمردهم.
إنهم متمردون من فئة الخمسة نجوم، يسافرون بدرجة رجل الأعمال ويقيمون في أرقى الفنادق ويرتدون ثيابا من أرقى الماركات، وهم إن تعرضوا لقضايانا السياسية التي صارت مستهلكة، فإنهم يضعونها ضمن قالب سياحي مريح، لذلك فإن لوحاتهم لا تزعج أحدا.
هناك نظام بدأ بالإخضاع غير أنه انتهى بالخضوع التام، لم يقاومه إلاّ من قرّر أن ينفي نفسه بنفسه ويغلق على فنه أبواب المرسم، وإذا كان البعض ممّن تروج أعماله في السوق يعتقد أنه يرسم بحرية وثقة، فإن ذلك الاعتقاد عبارة عن وهم، لأن أي خروج لافت عن الأسلوب التزويقي الذي يتبعه سيعرضه للطرد من تلك السوق. الحرية هنا امتياز يحرسه المال، فهو حر ما دام يلبّي طلبات السوق، حريته مرتبطة برضا المستثمرين، وهي حرية زائفة.
ولو كان شيء من تلك الحرية موجودا لما وقع رسمنا في فخ الرتابة والتكرار المملين، ولما صار الرسامون يقلد بعضهم البعض الآخر إلى درجة التشابه، وهم يفعلون ذلك جريا وراء النموذج الفني الذي يشهد رواجا تجاريا.