سمير عطا الله يكتب:
الأسطورة الخاطفة
ولِدَت على ظهر باخرة، فخطر لأمها أن تُطلِقَ عليها اسم «بحرية». لكن المُعترضين اقترحوا اسم «أمل» ثم قيل إن آمال أفضل من أمل. وعندما اختارت الغناء تغيّر اسمها إلى أسمهان. عاشت 32 عاماً من هذا العمر الخاطف، أمضت ست سنوات أميرة في جبل الدروز. وعَمِلَت في المخابرات البريطانية لحساب الحلفاء ضد دول المحور خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت لها أربعة قصورٍ في بيروت ودمشق والسويداء وجبل لبنان. حاولت الانتحار ثلاث مراتٍ، وفي كلِّ مرة كانت تُنقَذ في اللحظة الأخيرة.
وهربت ذات ليلة من دمشق إلى فلسطين على ظهر فرس من دون أن تتعب أو ترتاح خلال 17 ساعة. تزوّجت وطلّقت ثلاث مرات ولم يعش لها سوى مولودٍ واحد هو ابنتها كاميليا. صدح صوتها في مصر حتى غارت منها أم كلثوم غيرة شديدة. وكبار الشعراء والملحنين الذين أعطوا أم كلثوم أعطوها هي أيضاً.
تلقت أعلى أجرٍ في تاريخ السينما المصرية لكنها بددت كل شيء. وكانت أينما حلّت تترك وراءها الديون. تركت منزل أهلها في القاهرة لتعيش في فندق «مينا هاوس». وكانت عندما تأتي إلى القدس تعيشُ مثل ملكة في فندق «الملك داود». بل عندما جاءت ملكة مصر الحقيقية إلى القدس قدّمت لها جناحها لأنه كان الأفضل. وفيما كانت تغني في القاهرة كان أعمامها يحتلّون في دمشق المناصب الوزارية العليا. ولطالما حاول زوجها الأول الأمير حسن الأطرش أن يعيدها إلى مجد الزعامة في جبل العرب، لكنها فضّلت حياة البذخ والسهر والطرب.
وكانت طوال عمرها القصير وشجاعتها المذهلة، خصصت ركناً أساسياً في حياتها للفقراء. فقد عانت وهي طفلة من الفقر والعوز. وأحياناً كانت تشتري أغلى الأثواب لكنها توزّعها على خادماتها بدل أن ترتديها. حاول شقيقها الأكبر فؤاد الأطرش أن يروِّض هذه النمرة خضراء العينين، ولكن عبثاً. أما شقيقها الثاني فريد الأطرش فقد لحّن لها أجمل أغنياتها. وربما بسببها رفضت أم كلثوم أن تغني أيَّ لحنٍ من ألحانه. عاش فؤاد من بعدها ليتولى أعمال شقيقه فريد وكأنه والده الذي ترك العائلة وهم أطفال، وأسمهان لا يزيد عمرها على بضعة أشهر.
منذ مقتل أسمهان عام 1944 ليلة كانت ابنتها تحتفل بعيد ميلادها، صدرت عن تلك الأسطورة كتبٌ كثيرةٌ بالعربية والإنجليزية والفرنسية. الآن أعادت «دار الجديد» إصدار كتاب «قصة أسمهان» كما رواها فؤاد الأطرش للصحافي فوميل لبيب العام 1962. وفي اعتقادي أنه أهم وأصدق ما كُتِبَ عنها. ومن دون قراءة هذا الكتاب لا يمكن فهم حياة أسمهان أو أسطورتها. ولا يقول الشقيق طبعاً كل ما كان يعرفه أو كلَّ ما عاشه كدرزي تقليدي شديد المحافظة. لكن ما وضعه يكفي لإحياء أسطورتها على الدوام.