سمير عطا الله يكتب :
جدها في «عاموديا»
كل شيء كان غير مألوف لي. بدا الأمر وكأنني أحضر فيلماً من أفلام الخيال العلمي. كان من عادتنا في الماضي البعيد، أن نمرَّ في «الجيّة» لكي نشتري من سهولها «الخس» بالجملة. نصف سكانها كانوا يقفون على الطرقات أيام العطلة وأمامهم أكداس خضراء حملوها من السهول القريبة.
في مزرعة ميسرة سكر لا سهول ولا أتربة ولا فلاحة ولا أسمدة: قساطل أفقية بيضاء مثقوبة، وفي كل ثقب شتلة. وفي مساحة صغيرة من هذه القساطل النظيفة مثل مشكاك المناشف في الحمام، يقوم موسم يفوق 50 ضعفاً نتاج موسم مشابه في سهول الجية.
ولا أرض ولا عقار ولا جدران ولا حيطان. إنها مزارع المياه الجديدة. وفي هذه المزرعة تسعون في المائة مياه و10 في المائة تراب وفيتامين يشبه فيتامين الصيدليات. هذه هي الآن «الحدائق المعلقة» كما كانت تسمى جنائن بغداد في عصور الخلفاء. لا هدر في المياه ولا في المساحات ولا إرهاق في الحرث والعناية والقطاف. أقرأ دائماً في صحف مصر عن الشكوى من كميات المياه التي تذهب هدراً في سقاية الغمر. وعندنا في لبنان قضم الإسمنت المتوحش كل خضرة والغذاء والجمال، من دون أن تحُل مكانها، هذه «الزراعة الذكية» أو «الزراعة النظيفة» بلغة هذه الأيام، حيث تأخذ الآلة محل الإنسان والحيوان ومعلم الحساب وصالة الجراحة الطبية.
كنت ولا أزال أذهل أمام عجائب الخلق. وفي مساحة 100 متر من التراب، تستطيع أن تزرع ورداً وزهوراً وشجرة زيتون وشجرة تفاح ومسكبة نعناع وغيرها. الآن تُزرعُ أصناف معلقة في قسطل مياه. وتتكفل المياه إعطاء كل نبتة لونها وطعمها وغذاءها. وبدل الزراعة الأفقية أصبح الخيار والبندورة والكوسى يتدلى عمودياً بأحجام متساوية مثل طوابع البريد. وفي الإمكان أن تحول شرفة منزلك إلى حديقة صغيرة فيها جميع مكونات «السلطة» طوال العام.
خطرت المزرعة العمودية سنة 1999 لأستاذ علوم البيئة ديكسون دي بومييه في نيويورك عندما وضع تلامذته مشروعاً لزرع مبنى من 30 طابقاً يمكنه تزويد 50 ألف نسمة بحاجاتهم من خضار كثير. غير أن صاحب الفكرة الأساسية كان جيلبرت ايليس بيلي العام 1915. وحلم دو بومييه بأن يطعم مانهاتن كلها من مزارع ناطحات السحاب. أما ضيوف ميسرة سكر فوجدوا في صناديق سياراتهم بعدما عادوا إلى منازلهم كميات من الخضار والفواكه الموضبة في علب كرتونية تشبه علب الثياب عند «لانفان».
في مزرعة ميسرة سكر لا سهول ولا أتربة ولا فلاحة ولا أسمدة: قساطل أفقية بيضاء مثقوبة، وفي كل ثقب شتلة. وفي مساحة صغيرة من هذه القساطل النظيفة مثل مشكاك المناشف في الحمام، يقوم موسم يفوق 50 ضعفاً نتاج موسم مشابه في سهول الجية.
ولا أرض ولا عقار ولا جدران ولا حيطان. إنها مزارع المياه الجديدة. وفي هذه المزرعة تسعون في المائة مياه و10 في المائة تراب وفيتامين يشبه فيتامين الصيدليات. هذه هي الآن «الحدائق المعلقة» كما كانت تسمى جنائن بغداد في عصور الخلفاء. لا هدر في المياه ولا في المساحات ولا إرهاق في الحرث والعناية والقطاف. أقرأ دائماً في صحف مصر عن الشكوى من كميات المياه التي تذهب هدراً في سقاية الغمر. وعندنا في لبنان قضم الإسمنت المتوحش كل خضرة والغذاء والجمال، من دون أن تحُل مكانها، هذه «الزراعة الذكية» أو «الزراعة النظيفة» بلغة هذه الأيام، حيث تأخذ الآلة محل الإنسان والحيوان ومعلم الحساب وصالة الجراحة الطبية.
كنت ولا أزال أذهل أمام عجائب الخلق. وفي مساحة 100 متر من التراب، تستطيع أن تزرع ورداً وزهوراً وشجرة زيتون وشجرة تفاح ومسكبة نعناع وغيرها. الآن تُزرعُ أصناف معلقة في قسطل مياه. وتتكفل المياه إعطاء كل نبتة لونها وطعمها وغذاءها. وبدل الزراعة الأفقية أصبح الخيار والبندورة والكوسى يتدلى عمودياً بأحجام متساوية مثل طوابع البريد. وفي الإمكان أن تحول شرفة منزلك إلى حديقة صغيرة فيها جميع مكونات «السلطة» طوال العام.
خطرت المزرعة العمودية سنة 1999 لأستاذ علوم البيئة ديكسون دي بومييه في نيويورك عندما وضع تلامذته مشروعاً لزرع مبنى من 30 طابقاً يمكنه تزويد 50 ألف نسمة بحاجاتهم من خضار كثير. غير أن صاحب الفكرة الأساسية كان جيلبرت ايليس بيلي العام 1915. وحلم دو بومييه بأن يطعم مانهاتن كلها من مزارع ناطحات السحاب. أما ضيوف ميسرة سكر فوجدوا في صناديق سياراتهم بعدما عادوا إلى منازلهم كميات من الخضار والفواكه الموضبة في علب كرتونية تشبه علب الثياب عند «لانفان».