فاروق يوسف يكتب:

خيال اليد

في زمن الفنون المعاصرة تبدو العودة إلى فن الخط العربي نوعا من المعجزة، يقول لي عبدالرسول سلمان بانتشاء “سيكون غني العاني حاضرا”، والمناسبة هي ملتقى الشيخة سعاد الصباح للخط العربي الذي تقيمه الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية.

إنه حدث استثنائي، ذلك لأن النظرة إلى فن الخط العربي كانت قاصرة دائما في عصر تمكنت فيه التقنيات من الحروف فصارت مؤسسات الدعاية لا تحتاج إلى خطاط، لقد أنجدتها التقنيات الحديثة بآلاف الحلول السريعة التي تسرق العين من غير أن تعتني بنشوتها البصرية.

بدا كما لو أن فن الخط في طريقه إلى الانقراض، هنا بالضبط تكمن اللفتة الذكية والنبيلة التي ينطوي عليها الملتقى، وقد يبدو مناسبا هنا أن أشير إلى أن العرب في لهاثهم من أجل تقليد الحداثة الأوروبية ضيعوا واحدا من فنونهم الأصيلة.

فالخط والزخرفة هما الفنان اللذان يمكن أن يطلق عليهما المرء تسمية “فن عربي” من غير أن يرتكب خطأً منهجيا، هما فنان عربيان أصيلان في النشأة والسيرة والنتائج، وإذا ما كان الخط قد ارتبط بمقدس القول، فإن رفعته الجمالية لا تنبعث من ذلك المقدس. هناك جهد عبقري بذله خطاطون من نوع ابن مقلة وابن البواب وهاشم البغدادي قد استخرج من الحرف صياغات جمالية أضفت عليه طابعا إيقاعيا هي ليست منه، لقد أعاد الخطاطون صناعة الحروف العربية بما جعل منهم أسياد اللغة من جهة الشكل.

ولكن فن الخط ليس شكلا فحسب، بل هو محتوى أيضا، كان هناك دائما خطاطون تجريبيون، محمد سعيد الصكار كان واحدا منهم، لم يكونوا فنانين كبارا في مجال حرفتهم غير أنهم كانوا مثيري شغب، وهو ما أعتقد أن أي فن حي لا يمكن أن يستغني عنه.

ملتقى سعاد الصباح في الكويت هو احتفال أسطوري بفن الخط العربي، ذلك لأنه يستقبل أكبر محترفي ذلك الفن المجددين، إنه مناسبة للثناء على خيال اليد التي تبارك الحروف بدهشتها.