سمير عطا الله يكتب :
الوافدون في الكويت
في الكويت مسألة قديمة اسمها «الوافدون». دائماً كان هناك عدد هائل يحلم بالمجيء، ودائماً كان هناك كويتيون يخافون أن يصبح عدد المهاجرين خطراً على الأمن الوطني والتركيبة السكانية والنسبة المقبولة في المعدلات الدولية. وتندَّر عرب كثيرون على تزمت الكويتيين في استقبال «أشقائهم»!
واليوم، هناك صخب شديد أثارته نائبة طالبت، فيما طالبت، بأن يدفع كل وافد ضريبة قدرها مائة فلس، لاستخدامه الرصيف الذي يمشي عليه. وفي مغالاتها، أو تسرعها، أثارت غضب الجالية المصرية، التي هبّ للدفاع عنها الكويتيون وعن دورها في بناء البلد.
لكنّ الحقيقة الأخرى هي أن عدد الجالية المصرية اليوم يزيد على 750 ألف نسمة. ومجموع المقيمين هو ثلاثة أضعاف المواطنين. وبعيداً عن أسلوب النائبة المذكورة، فإن الكويت التي استقبلت منذ استقلالها أكبر نسبة من المهاجرين العرب، تحاول الآن وضع برنامج مدته عقد واحد يجعل نسبة الوافدين تزيد 50 في المائة فقط على المواطنين.
إرضاء النائبة المتشددة عمل مستحيل.
وضريبة المائة فلس على استهلاك بلاط الأرصفة صعبة الجباية. لكنّ الدولة تحاول الموازنة الصعبة في قضية عمرها من عمر النفط. فما إن ظهر في الثلاثينات حتى ظهر معه طالبو المشاركة. بل ذهب البعض إلى طلب التسلط، سواء كان دبلوماسي السمعة مثل نوري السعيد، أو أبا المعارك مثل صدام حسين.
قبل أن يقرر لها الأشقاء نسبة حصصهم في «مال العرب للعرب»، أقامت هي مؤسسات المساعدة وأولاها «الصندوق العربي» وليس «الصندوق الكويتي»، كما أشرت إليه يوم الثلاثاء. وكانت الكويت الدولة العربية الوحيدة التي رعت واحتضنت القضايا العربية، وفتحت للقوميين مجلس النواب، وشهدت تأسيس «فتح» فوق أراضيها بزعامة ياسر عرفات، الذي كان يعمل هنا مهندساً مدنياً. وباستثناء محمود عباس الذي كان في قطر، كان جميع أركان منظمة التحرير من هنا، وأيضاً من هنا خرج خالد مشعل، ركن «حماس». وبعض أركان «الجبهة الشعبية».
وفيما فتحت الدولة صدرها ووظائفها الحكومية العليا، فتحت الصحافة الكويتية منابرها وأبوابها وعناوينها الأولى. وفي مرحلةٍ بدا مجلس الأمة كأنه برلمان فلسطين.
وأسهم الفلسطينيون بدورهم في إنشاء صحافة كويتية لا تزال تتقدم وتتطور رغم أن قضاياها الأولى، في الأخبار وفي الزوايا، أصبحت غارقة في الشأن المحلي، غرق البلد نفسه في مطر نوفمبر (تشرين الثاني)، المستمر حتى الاثنين في قسطه الأول.
كان عبد الله بشارة من أبرز المنظّرين للقومية الخليجية والوحدة الخليجية وعدم الانجراف في سياسات الانهيار.
وهذا ما سعى إليه كأول أمين عام لمجلس التعاون، ودافع عنه كسفير لدى الأمم المتحدة طوال عشر سنوات.
وكلما جئت إلى الكويت أستعرض رفقة عمر وخبرة عمر. وفي العرض يسجل في تواضع كيف حمت السياسة الكويتية وحدة البلد، وكيف نجح الفكر المحافظ في إبعاده عن المهاترات. ويقول إن العالم العربي ذهب وجاء والكويت في مكانها. الذين انتقدوها عادوا فاعتذروا، والذين اعتدوا عليها عادوا فندموا. والذين اتهموها بالانعزالية يوقنون اليوم بأنها من أوائل مَن دعم القضايا، بالعمل، لا باللافتات.