سمير عطا الله يكتب :
الرواسم
يتكرر في كتاباتنا استخدام التعابير والمصطلحات التي لكثرة ما استعمِلَت أصبحت عبئاً على اللغة نفسها. وقد سُمِي هذا النوع من الترداد «الرواسم»، ترجمة لكلمة «كليشيه» الفرنسية. ولقد وجدت في الرواسم تعبيراً عبقرياً عن المقصود، لأن معناها الأصلي، هو الأختام. والختم مكررٌ لا يتغيّر فيه شيء إلى ما شاء الله. من أكثر التعابير التي استهلِكَت في العالم العربي، وإلى حدٍ ما في الحضارات الأخرى، بيت الشعر الذي قاله روديارد كيبلينغ: «آهٍ، الشرق شرقٌ والغرب غربٌ ولن يلتقي هذا المثنى على الإطلاق». لم يحاول أحدٌ على الإطلاق أن يُكمِل قراءة تلك القصيدة، لأن الأبيات التالية تلغي تماماً معاني وأهداف البيت الأول. إذ يُكمِل كيبلينغ قائلا: «لأنه ليس هناك شرقٌ ولا غربٌ ولا حدودٌ ولا تنشئةٌ ولا عرقٌ/ تفصل بين رجلين قويين عندما يقفان في وجه بعضهما البعض/ مع أنهما آتيان من آخر أطراف الأرض».
كان كيبلينغ، إذن، يريد القول إن الشرق والغرب ملتقيان بقوة الطبيعة، شئنا أم أبينا. وإن الحضارات والطبائع والظروف مهما اختلفت لا بد من أن تنصهر، بطريقة أو بأخرى في حقلٍ أو في آخر. وعندما كتب هذا الكلام أوائل القرن الماضي من الهند حيث عاش فترة طويلة من حياته، إنما كان يريد القول إنه لا بدَّ من الانصهار عند نقطة ما، مهما تعمّقت التباينات الحضارية. غير أن العالم استخدم هذا «الكليشيه»، في الشرق وفي الغرب، لكي يدعم نظرية معاكسة تماماً. وهي مناقضة بالدرجة الأولى للغريزة البشرية التي قام تاريخها على تلاحم أو تلاقح الحضارات والأجناس ولو ظلّت صفات كلٍّ منها على ما هي.
لا يتذكّر ناقلو هذه النظرية المبتورة أن عدم الالتقاء واردٌ في الغالب عند أهل الجنس الواحد أو الحضارة الواحدة. فالحروب الطاحنة كانت بين الأوروبيين والمسيحيين والعرب والأفارقة أنفسهم، وبين ما سُمِي «الجنس الأصفر»، حيث لا يزال فريقٌ كبيرٌ منه متباعداً أو متعادياً على أثر حروبٍ واحتلالاتٍ لا حصر لها في اليابان والصين وكوريا.
يخطر لي أن أجمع الرواسم التي يبدو أن لا فكاك عنها. بعضها يعود إلى الجاهلية، التي عرفت أيضاً باسم «أيام العرب»، وبعضها الآخر لم يعد يعني شيئاً على الإطلاق، أو هو غير مفهومٍ لدى فريقٍ كبيرٍ من الناس، كمثل القول «ما هكذا يا سعد تورد الإبل»، مع أن الكثير حتى من أهل البادية لم يعد يعرف كيف تورد الإبل، فكيف نطلب ذلك من ابن القاهرة أو بيروت. في لقاءٍ مع طلاب الإعلام، قبل عام، تمنّيت عليهم شيئاً واحداً - بعكس المألوف - هو الامتناع عن التأثّر بالأساتذة وتجنّب مفرداتهم والهرب كلياً من جفاف الرواسم.
كان كيبلينغ، إذن، يريد القول إن الشرق والغرب ملتقيان بقوة الطبيعة، شئنا أم أبينا. وإن الحضارات والطبائع والظروف مهما اختلفت لا بد من أن تنصهر، بطريقة أو بأخرى في حقلٍ أو في آخر. وعندما كتب هذا الكلام أوائل القرن الماضي من الهند حيث عاش فترة طويلة من حياته، إنما كان يريد القول إنه لا بدَّ من الانصهار عند نقطة ما، مهما تعمّقت التباينات الحضارية. غير أن العالم استخدم هذا «الكليشيه»، في الشرق وفي الغرب، لكي يدعم نظرية معاكسة تماماً. وهي مناقضة بالدرجة الأولى للغريزة البشرية التي قام تاريخها على تلاحم أو تلاقح الحضارات والأجناس ولو ظلّت صفات كلٍّ منها على ما هي.
لا يتذكّر ناقلو هذه النظرية المبتورة أن عدم الالتقاء واردٌ في الغالب عند أهل الجنس الواحد أو الحضارة الواحدة. فالحروب الطاحنة كانت بين الأوروبيين والمسيحيين والعرب والأفارقة أنفسهم، وبين ما سُمِي «الجنس الأصفر»، حيث لا يزال فريقٌ كبيرٌ منه متباعداً أو متعادياً على أثر حروبٍ واحتلالاتٍ لا حصر لها في اليابان والصين وكوريا.
يخطر لي أن أجمع الرواسم التي يبدو أن لا فكاك عنها. بعضها يعود إلى الجاهلية، التي عرفت أيضاً باسم «أيام العرب»، وبعضها الآخر لم يعد يعني شيئاً على الإطلاق، أو هو غير مفهومٍ لدى فريقٍ كبيرٍ من الناس، كمثل القول «ما هكذا يا سعد تورد الإبل»، مع أن الكثير حتى من أهل البادية لم يعد يعرف كيف تورد الإبل، فكيف نطلب ذلك من ابن القاهرة أو بيروت. في لقاءٍ مع طلاب الإعلام، قبل عام، تمنّيت عليهم شيئاً واحداً - بعكس المألوف - هو الامتناع عن التأثّر بالأساتذة وتجنّب مفرداتهم والهرب كلياً من جفاف الرواسم.