سمير عطا الله يكتب :

أين يتقاعد السنيور دي ميستورا؟

انتهت مهمة الوسيط الثالث في سوريا ولم تنتهِ الحرب بعد. وما من مفاجأة. لأن أحداً لم يكن يتوقع من دبلوماسي فرد أن يضغط زر النهاية ويعود كل شيء إلى ما كان عليه قبل سبع سنين. وقد تعرض ستيفان دي ميستورا إلى أكبر حملة من النقد بين الوسطاء الثلاثة لأنه أمضى مدة أطول من الوقت.
وأيضاً ظُلم أكثر من سلفيه لأنه الأكثر ضعفاً. فالأول، كوفي أنان، كانت تحيط به هالة الأمانة العامة. والأخضر الإبراهيمي كانت تحيط به الهالة العربية. أما دي ميستورا فلم يكن يملك سوى الأناقة الإيطالية والسعة السويدية، وهما لا تشكلان رادعاً للذين أرادوا تحميله مسؤولية حرب شارك فيها العالم أجمع.
المثل الشعبي البسيط يقول: «الوسيط يأكل ثلثي القتلة». وقد أكل دي ميستورا ثلاثة أثلاث لأنه تصرف منذ البدء على أنه سوف يبقى في مهمته حتى اليوم الأخير. أنان رأى الفشل منذ البداية، فمضى. والإبراهيمي لم يحتمل طبعه الجزائري النقد، فاستقال، والإيطالي جاء ليبقى، وليس لينجح أو يفشل.
اتهم أنه يساير المعارضة. ثم اتهم أنه متواطئ مع النظام. أما الحقيقة فإن الإيطالي عادة يعمل للمهمة الموكلة إليه، ويتواطأ مع نفسه. ويجيد السنيور دي ميستورا سبع لغات، لكن ليس بينها لغة القرار. فعندما وصل إلى حرب سوريا، وجد أنه قد سبقه إليها الفيتو الروسي، يرافقه الفيتو الصيني، يرافقه الحشد الإيراني، يرافقه الحشد الشيشاني، يقابله الحشد الشيشاني الآخر، والحشد الأفغاني الآخر، والكشاف الأميركي، وجحافل الدواعش من كل مكان.
مثل هذه الحروب، لو أريد فعلاً وقفها، لا يحلها رجل يحب السهرات الهادئة والنساء غير الهادئات، مثل السنيور دي ميستورا. وبعد 40 عاماً من العمل الأممي في مناطق النزاع، كان هو أدرى الناس أن النزاعات في الشرق الأوسط تنمو بمياهها نفسها، وتتغذى بترابها نفسه. والمشين عندنا هو السلم، وليس الحرب. ولم تكن داعس والغبراء سوى تجربة في الجاهلية من أجل أن تبسط لاحقاً على كل العصور. وما فاقنا الإيطالي إلا بما سمّته العرب طول الأناة. أي الصبر... والله يطولك يا روح.
وبعد أفغانستان وقبرص ولبنان وسوريا، لا أدري سوف يعثر دي ميستورا لنفسه على قضية يراد لها حل أو تخدير أو تمديد. قد يتقاعد. وقد توصل إلى قناعة بأن بيروت هي أفضل الأمكنة لذلك. خصوصاً للعازبين.