فاروق يوسف يكتب:
السلاح جاهز والهدنة قائمة
“توتر حذر” عبارة كنا وما زلنا نسمعها في الأخبار كل يوم. منذ متى لم يكن التوتر قائما في العالم العربي؟
وإذا كانت الأوضاع لا تنبئ بخير دائما، فإن التوتر هو أفضل ما يمكن أن يعيشه الإنسان في ظل الحرية المطلقة التي يتمتع بها المسلحون الذين لا يحتاجون إلى إشهار أسلحتهم دائما ليعلنوا عن هويتهم.
في غير دولة عربية كان السلاح متاحا بالنسبة للأفراد من غير أن تكون هناك سوق مرخصة لبيعه. مفارقة غريبة في أن تكون الدولة هي من توزع ذلك السلاح في الوقت الذي ينص قانونها على حصر السلاح بأفراد أجهزتها المؤتمنين على الحفاظ على الأمن.
أتذكر أن الرفاق الحزبيين كانوا يتباهون بمسدساتهم التي يخبئونها في مكان ظاهر، وأتذكر أيضا جملة من صدام حسين يقول فيها “شرف الرجل في سلاحه”.
بوجود السلاح المتاح والمباح لم يكن المرء في حاجة إلى انتظار وقوع معركة بين طرفين مجهولين ليعلن أن التوتر هو سيد الموقف. الحيرة الحقيقية تكمن في السلاح نفسه، كونه أعمى لا يفرق بين صديق وعدو.
السلاح خائف لأنه أعد أصلا لمناسبات ليست سعيدة. وهو شعور لا بد أن ينتقل إلى حامله. حامل السلاح تعب، تستخفه حركة عصفور على شجرة ليطلق رصاصة.
لقد صنعت الحياة الحزبية في العالم العربي بيئة مناسبة للمحاربين. وهي بيئة حذرة، يعيش فيها الأفراد ممسكين بسلاحهم استعدادا للقنص.
أما كان حريا بشعوبنا أن تخرج إلى الشارع محتجة على السلاح؟ لقد تأخر اللبنانيون مثلا في الاعتراض على السلاح السائب الذي يملكه حزب الله بعد أن عاشوا زمنا طويلا في ظل وهم السلاح المقاوم.
تبين لهم في ما بعد أنه ما من شيء اسمه السلاح المقاوم. السلاح هو السلاح وليس له قضية. لقد استدرك اللبنانيون خطأهم في جمهورية الفاكهاني بخطأ أشد بشاعة هو ما جسدته إقطاعية نصرالله في الضاحية الجنوبية. في المرتين كان السلاح هو راوي الحكاية، وفي المرتين لم يتعلم أحد درسا من التوتر الحذر الذي كان علامة حياة بالنسبة للمقاومين.
اللعبة التي كبلت لبنان بأعباء ثقيلة انتقلت منه بيسر إلى سوريا واليمن وليبيا والعراق لا لشيء إلا لأن السلاح كان في تلك الدول سائبا. الغريب أن الأنظمة في تلك الدول فعلت ما يمكن أن يوحي بأنها في انتظار قيام حرب شوارع في أية لحظة.
شبح العدو الداخلي كان مهيمنا على العقل السياسي الذي كان عاجزا عن تصديق كذبة وجود ممثليه إلى الأبد. لذلك كان التوتر هو سيد الموقف. مارست الشعوب يومها أقصى ما تملك من حذر خشية أن تستفز النظام. غير أن ذلك الحذر لم ينفع في شيء ولم يمنع وقوع المحظور. حينها وقعت الكارثة. بدلا من الحذر صار السلاح هو سيد الموقف.
“يكمن الحل في نزع سلاح الميليشيات الخارجة على القانون؟” جملة سائبة أخرى تُقال من أجل أن يتم القفز عليها بخفة لكي لا تترك أثرا يزعج المسلحين. وهي جملة يرددها المستضعفون الذين يعرفون جيدا أنه لو كان هناك قانون لما استقوى حزب الله على الدولة بسلاحه إلى أن وضعها تحت إبطه وصار يهدد بتفجيرها كلما شعر بالخطر.
لو كان هناك قانون لما عاشت دول باعتبارها محميات حزبية عقائدية في ظل توتر حذر لعقود طويلة.
يهيمن السلاح الخارج على القانون على حياة الشعوب، حين يتمكن من فرض قانونه على الدولة. وهو ما حدث، وما يحدث، في لبنان والعراق واليمن وليبيا وسوريا.
أية دولة تلك التي يمكن أن تنازع حزب الله على سلاحه؟ مشكلة معقدة ولا يمكن تبسيطها إلا عن طريق عصيان مدني شامل، يبدو أن المجتمعات العربية غير مستعدة لدفع كلفته. لذلك فإن التوتر الحذر سيظل قائما ما دام السلاح هو السيد في حياة، صار العربي يمارسها تمرينا على الشقاء.