مشاري الذايدي يكتب :
«الفتنة» الفرنسية وامتحان التجربة
ما يجري في العاصمة الفرنسية العالمية، باريس، هز الدولة هناك هزاً، واستنفرها بشكل غير معهود، حسب تقديرات الحكومة الفرنسية نفسها.
قائد الدرك الفرنسي يشير إلى استعداد الشرطة لمواكبة أحداث السبت الرهيب السابق لها، وزير الداخلية يحذر من «عناصر راديكالية مندسة» وهتافات تتعالى في شوارع باريس وميادينها تزعق: يسقط الديكتاتور ماكرون!
طبعاً الرئيس إيمانويل ماكرون ليس ديكتاتوراً، فهو جاء للموقع الفرنسي الأول حسب النظام الديمقراطي الجمهوري العتيد، في بلد هو أساس «الثورة» الليبرالية في العالم الحديث، غير أن رفع هذا الهتاف مع تفجر الغضب الشعبي الفرنسي بسبب السياسات الضريبية الحكومية يخبرنا إلى أي حدٍ وصل الهيجان الفرنسي الحالي.
السلطات التنفيذية الفرنسية تقول إنها في حالة تأهب قصوى، داعية الفرنسيين إلى التحلي «بالروح الجمهورية»!
وزير الداخلية كاستانير قال في تعليق مثير إن: «الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت ولادة وحش خرج عن سيطرة مبتكريه»، في إشارة إلى حركة «السترات الصفراء» التي بدأها فرنسيون من الطبقات المتواضعة تنديداً بسياسة الحكومة الضريبية والاجتماعية، لكن باتت ترفع فيها شتى المطالب والاحتجاجات وآخر المنضمين إليها طلاب المدارس الثانوية.
دوماً الأمور تبدأ بمطالب معينة، غالباً اقتصادية، لكنها مع تدفق الروافد الشعبية الأخرى تتحول من جدول ماء محدود إلى نهر جارفٍ هدار، يكون الغضب السياسي فيه فوق التبرم الاقتصادي، شيء أشبه بثورة شعبية... هكذا تحصل الأمور في بعض الأحيان. أو كما أشار الوزير الفرنسي، تم خلق وحش أصفر خارج عن السيطرة.
بعض النشطاء العرب من «وعاظ» الليبرالية في حالة ارتباك وحيرة ومحاولة تفسير لما يجري في فرنسا، أم الديمقراطية والليبرالية، فطبقاً لهؤلاء الوعاظ الليبراليين العرب: «لا حل لأي مشكلة وأي نظام وأي شعب وأي دولة في العالم إلا بالنموذج الليبرالي الغربي، هكذا بإطلاق قاطع ساطع مانع جامع!».
الحق أن التجربة الغربية في نمط الحكم تجربة رائدة وثرية وملهمة، لكنها ليست نهاية الحلول، ولا العصا السحرية لكل المشكلة.
المهم هو توفير: العدالة، والعيش الكريم، والنجاح الاقتصادي... والأمن طبعاً... بأي طريق وطريقة... وما جرى ويجري في فرنسا حالياً وربما بلجيكا لاحقاً يخبرنا أنه لا توجد وصفة واحدة موحدة لحل كل مشكلات العالم، بالإذن من وعاظنا الليبراليين.