سمير عطا الله يكتب:
من الإهداء
أنشأ رجل دار نشر قرر أن يخصصها لطباعة الكتب المتعلقة بتاريخ لبنان. أعلن عن الكتاب الأول في الصحف، فلم يبع أي نسخة. جرب الإعلان الإذاعي، فباع نسختين. لجأ إلى التلفزيون، وبعد ستة أشهر بلغ حجم المبيعات ثلاث نسخ.
أصيب بالاكتئاب المعروف بـ«متلازمة لبنان» وعلاجه الوحيد السفر. وقبل أن يحزم حقيبته، قرع باب مكتبه شاب وسيم أنيق المظهر، وقال له: فلندخل في الموضوع مباشرة. أنا مستعد لإنقاذ الدار وذلك ببيع الكتب مباشرة إلى المنازل.
سر الناشر كثيراً للفكرة، لكن العقبة كانت واضحة. فالشاب الأنيق يعاني من عائق شديد. إنه يثأثئ في الكلام. ومن أجل أن يقدم عرضه، استغرق الأمر ربع ساعة من الوقت، فكم سوف يستغرقه شرح فوائد الكتاب على أبواب المنازل؟ ولم يجد بدا من أن يصارح البائع العتيد بالمشكلة. فكان جوابه خاطفاً.
في اليوم الأول خرج من المخزن ومعه عشر نسخ وعاد ومعه ثلاث. في اليوم الثاني اثنتان. في الثالث عاد ومعه ثمن النسخ العشر. وذهل صاحب الدار. وقال للبائع: ما هو سرك العظيم يا أخا العرب؟ فأجاب الفتى: سر بسيط يا مولاي. أقرع فتفتح لي الباب سيدة البيت، فأقول لها، هل تريدين شراء نسخة من «تاريخ لبنان» أم تفضلين أن أقرأه لك؟
هل تريدون جنابكم، أن أروي لكم كيف شكلت حكومة لبنان، وكم فريقاً شكّلها، ولماذا جاءت «سباعية»، أو لماذا طُلب إلى «الشعب اللبناني العظيم» أن يعتبرها «هدية العيد»؟ أعرف الجواب طبعاً. أنا أيضاً، ولا الشعب اللبناني يريد أن يسمع أن الاتفاق على حكومة بعد مماحكات سبعة أشهر، هو هدية لبلد يقف على جميع الحافات: الحرب والإفلاس وحتى «الكارثة»، كما حذر رئيس الجمهورية. ومع ذلك يرى السياسيون في بادرة وزير أو طرح آخر، وتبديل حقيبة أو خطف أخرى، إنجازاً تُقرع له الطبول وينادى به على الجماهير التي كان يسميها فيلمون وهبي «الجماهير الغفورة».
يقتضي الذوق واحترام عقول الناس ومشاعرهم وكراماتهم، أن تعلن هذه الحكومة بخبر صغير في الجريدة الرسمية. فهي ليست حكومة أحد، وخصوصاً صاحبها ورئيسها، الذي تحمل وصبر وأصغى إلى ألف واحد يقرأون عليه تاريخ لبنان، من الإهداء.