سمير عطا الله يكتب :
طالبو الخبز... وطالب التجديد
صحيح أن الأنظمة الجمهورية لا تسمح بالتجديد بعد فترة معينة. ولكن الناس لن تطلب وجهاً آخر إذا كان الوضع الاقتصادي سليماً غير سقيم. وإذا كانت نسبة البطالة مقبولة بشرياً. وإذا لم يفقد البلد نصفه ولم يعد أكبر من أوروبا. وإذا كانت نسبة الهجرة العاملة غير مأساوية. وإذا كان سقوط النقد غير فادح. وإذا كانت الدولة لم تحوِّل العاصمة إلى ملجأ لأكبر إرهابيين مطلوبين في العالم.
وإذا كان النظام لم يُبعِد عن الجيش خيرة ضباطه. وإذا لم يكن النظام قد شارك مع أقسى عتاة الميليشيات في تشريد واضطهاد عشرات الآلاف من مواطنيه. وإذا لم يبادل المتظاهرين طالبي الرغيف بالرصاص الحي. وإذا كان خلال أربعين عاماً قد حقق شيئا يستطيع أن يحدث شعبه عنه؛ فهذا في نهاية الأمر، شعبه وأمانته ووعده وقسمه.
صحيح أن الدساتير لا قيمة لها في العالم العربي ولا ضرورة. لكن الرجل لم يكن مضطراً ذات مرة أن يعلن أنه لن يطلب التجديد في الانتخابات المقبلة. ثم عاد فطلبه. وها هو يطلبه الآن.
إن الأنظمة العربية تعتقد أن عسكرها قادمون من بلدان غريبة وأرحام أراضٍ غريبة. لا.. يجب أن نتذكر دائماً أن الذي يسقط بالرصاص هو قريب الرجل الذي يؤمر بإطلاقه. وثمة حدود يقف عندها الفريقان.
الحل ليس في طلب ولاية أخرى وتكديس عدد الولايات. المسألة أكثر خطورة بكثير. وبدل دعوة القوات للنزول إلى الشارع في وجه الحق بالخبز والكرامة، يجب دعوة البلد كله إلى المصالحة؛ مصالحة من الأعماق لا يزول حبرها في اليوم التالي، ولا يُرسَل أركانها إلى السجون والمنافي والإقامة الجبرية. فهناك حاجة ملحة إلى شيء، أو بالأحرى الكثير، من المصارحة والمصالحة والشعور الجمعي بالخطر الذي يحيط بالبلد. ولا ينفع القول مرة أخرى، إنها إسرائيل. إنه الفقر وتهافت الأنظمة وفشلها ودفعها الشعوب إلى هاويات العوز واليأس.
الحل ليس في إحالة مشكلة الخبز والحياة وكرامة العامل إلى أميركا وإسرائيل، بل إقامة أنظمة متوائمة مع بداهات النصف الأول من القرن الحادي والعشرين. ثلاثة عقود على الولاية الأولى، جيل بأكمله. في هذه الفترة ارتفع دخل الفرد في سنغافورة من 12 ألف دولار إلى 91 ألفاً. وهي ليست في مساحة حي في الخرطوم.