مشاري الذايدي يكتب:

حسني مبارك: صانع التاريخ... وشاهده

الشهادة التي أدلى بها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أمام المحكمة في قضية «اقتحام السجون»، المتهمة فيها جماعة «الإخوان»، شهادة تاريخية فعلاً.

ورغم أن كلمة «تاريخية» مبتذلة، من كثرة تكرارها، فإنها حقاً كذلك في شأن حديث الرئيس مبارك العلني أمام المحكمة، بحضور قادة «الإخوان»، بمن فيهم الرئيس الإخواني محمد مرسي، ومرشد الجماعة محمد بديع.
حديث مبارك ليس عن كل شيء، فهو في بعض المواضع رفض الإفصاح، بحجة أن الحديث في بعض الأمور يتطلب إذناً من قيادة القوات المصرية المسلحة، ومن رئيس الجمهورية؛ وهو هنا (أي مبارك) يستحضر روح رجل الدولة، ومنطق الجيش المصري.

للرجل ما له، وعليه ما عليه، وهو قال في خطاب الاستقالة الشهير إن التاريخ كفيل بأن يقول للناس ما له وما عليه، وليس صرخات المتظاهرين الانفعالية وقتها، في يناير (كانون الثاني) 2011، وقد كان!

من أهم النقاط التي شاء مبارك أن يسلط الضوء عليها دور النظام الإيراني الخطير في صناعة الفوضى في العالم العربي، إبّان موسم «الربيع العربي» العجيب المريب. وقد توقف مبارك عند اقتحام المرشد الإيراني خامنئي نفسه المشهد، إذ لم يملك نفسه بسبب الحبور والسرور بما جرى في برّ مصر، وقرر في لحظة نادرة أن يخطب باللغة العربية مباشرة؛ وكلنا نذكر ذلك.

الرئيس مبارك قال، خلال شهادته في قضية اقتحام السجون، إنه كانت هناك مؤامرة على مصر، مضيفاً أنه في واقعة هي الأولى، قام المرشد الإيراني بإلقاء خطبة الجمعة، يوم 4 فبراير (شباط) 2011، باللغة العربية، لتشجيع الفوضى بمصر، وتأجيج العنف بعد ثورة يناير.

هذا صحيح، وأسرار العلاقة بين النظام الخميني و«الإخوان» لم يكشف عنها النقاب كلها، ولا عجب؛ فقد كان رموز الجماعة، من مصريين وغيرهم، يكيلون المديح للنظام الإيراني، بل ونعلم أن مرشد إيران الحالي ترجم بنفسه كتباً لسيد قطب من العربية إلى الفارسية، وتم وضع صورة سيد قطب على الطوابع البريدية.

الأهم من هذه الإشارات الرمزية الدالّة على التمازج الخميني - الإخواني هو صنيع الجماعة السياسي مع إيران، وصنيع إيران مع الجماعة. ومهما بدا من خلافات عابرة بينهما، فإن الفريقين في مركب واحد: مركب الإسلام السياسي. ولعلّ انحياز تركيا الإردوغانية اليوم لجانب إيران من ضمن أسبابه، وليس السبب الوحيد طبعاً، الهوى الفكري والسياسي المشترك.
شهادة مبارك الذي خبر مؤامرات الشرق الأوسط، وخبايا الجماعة، ومؤامرات النظام الخميني، ودسائس السلطة الإردوغانية، وإن كانت لم تفصح عن كل شيء، فإنها حقاً شهادة حية... للتاريخ، من أحد صنّاعه.

* نقلا عن "الشرق الأوسط"