سمير عطا الله يكتب:
بلاد منغستو سابقاً
يرسم الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد صورة زاهية لجارة النيل، إثيوبيا. ولا يخرج عن قاعدته الأولى في الحديث عن أبرز تجربة أفريقية في الوقت الحاضر: دولة ارتفع فيها دخل الفرد من 171 دولاراً عام 2005 إلى 590 دولاراً 2015، وارتفع الناتج القومي من سبعة مليارات دولار 1981 إلى 70 ملياراً 2018.
تلعب الصين وفرنسا دوراً رئيسياً في تحديث الدولة. وتتقدم السعودية الدول المستثمرة وذلك بزراعة البن. وتقرأ في الصحف السعودية أن المملكة تستهلك ما قيمته 500 مليون دولار من القهوة كل عام، وإن المستهلك الأكبر هم الشباب.
استوقفني مقال الأستاذ مكرم كما أفعل كل يوم. وذات مرة سألت الدكتور عمرو موسى في باريس من هم كتّابه المفضلون في مصر، فعدد ثلاثة أو أربعة، ثم ابتسم ابتسامة الأمور المسلّم بها بين النساء، وقال... «وطبعاً». وأراد أن يكمل، فقاطعته «لا حاجة للتسمية».
تابعنا أخبار إثيوبيا كعرب باهتمام لأنها كانت جزءاً من قضايانا السياسية. وخلال الفورات العسكرية التي أطلق عليها اسم الثورات، مرت بإحدى أصعب المحن البشرية. ظلت أديس أبابا تحت سلطة الرقيب السابق منغستو هيلا مريام حتى عام 1993 عندما غادر البلاد لاجئاً إلى زيمبابوي، حيث يعيش إلى اليوم، لكن يوم سفره كان قد ترك خلفه 500 ألف إلى مليوني قتيل، لا يفوقه جماجم في الجنات الثورية إلا بول بوت سفاح كمبوديا.
ما الذي أحدث الفارق؟ الفارق أن الصين جاءت في المرة الماضية ومعها «الكتاب الأحمر» لماو تسي تونغ. والآن جاءت ومعها حفارات وجرارات وسقالات بناء. بدل أن تحمل معها تعليم الإبادات الجماعية و«الثورة الثقافية» القاتلة والبلهاء، حملت خرائط النهضة ومشروعات الري وتحديث الزراعة ونشر المصانع ورفع مستوى العمال من سخرة وعبيد ومجاعة دائمة إلى أحرار.
إنهم الصينيون أنفسهم، لكن هذه المرة البدء في البناء وليس في إبادة مليوني بشري من أجل «البدء من جديد». ذهب منغستو إلى أميركا للدراسة العسكرية وعاد حاقداً على التمييز العنصري الذي لقيه. لكن الإثيوبيين الذين تسبب في إبادتهم لم يكونوا ذوي بشرة بيضاء. كانوا مثله سمراً وفقراء ومعوزين. وما هو دخل 590 دولاراً في العام؟ بؤس طبعاً. لكن تذكر أنه كان 171 دولاراً في «ثورة» منغستو.
لا أدري كيف ينظر من زيمبابوي إلى أديس أبابا اليوم. لكننا نعرف أن أفضل ما تفعله إثيوبيا هي أن تنسى. تكديس الجثث لا يبني الأوطان.
تلعب الصين وفرنسا دوراً رئيسياً في تحديث الدولة. وتتقدم السعودية الدول المستثمرة وذلك بزراعة البن. وتقرأ في الصحف السعودية أن المملكة تستهلك ما قيمته 500 مليون دولار من القهوة كل عام، وإن المستهلك الأكبر هم الشباب.
استوقفني مقال الأستاذ مكرم كما أفعل كل يوم. وذات مرة سألت الدكتور عمرو موسى في باريس من هم كتّابه المفضلون في مصر، فعدد ثلاثة أو أربعة، ثم ابتسم ابتسامة الأمور المسلّم بها بين النساء، وقال... «وطبعاً». وأراد أن يكمل، فقاطعته «لا حاجة للتسمية».
تابعنا أخبار إثيوبيا كعرب باهتمام لأنها كانت جزءاً من قضايانا السياسية. وخلال الفورات العسكرية التي أطلق عليها اسم الثورات، مرت بإحدى أصعب المحن البشرية. ظلت أديس أبابا تحت سلطة الرقيب السابق منغستو هيلا مريام حتى عام 1993 عندما غادر البلاد لاجئاً إلى زيمبابوي، حيث يعيش إلى اليوم، لكن يوم سفره كان قد ترك خلفه 500 ألف إلى مليوني قتيل، لا يفوقه جماجم في الجنات الثورية إلا بول بوت سفاح كمبوديا.
ما الذي أحدث الفارق؟ الفارق أن الصين جاءت في المرة الماضية ومعها «الكتاب الأحمر» لماو تسي تونغ. والآن جاءت ومعها حفارات وجرارات وسقالات بناء. بدل أن تحمل معها تعليم الإبادات الجماعية و«الثورة الثقافية» القاتلة والبلهاء، حملت خرائط النهضة ومشروعات الري وتحديث الزراعة ونشر المصانع ورفع مستوى العمال من سخرة وعبيد ومجاعة دائمة إلى أحرار.
إنهم الصينيون أنفسهم، لكن هذه المرة البدء في البناء وليس في إبادة مليوني بشري من أجل «البدء من جديد». ذهب منغستو إلى أميركا للدراسة العسكرية وعاد حاقداً على التمييز العنصري الذي لقيه. لكن الإثيوبيين الذين تسبب في إبادتهم لم يكونوا ذوي بشرة بيضاء. كانوا مثله سمراً وفقراء ومعوزين. وما هو دخل 590 دولاراً في العام؟ بؤس طبعاً. لكن تذكر أنه كان 171 دولاراً في «ثورة» منغستو.
لا أدري كيف ينظر من زيمبابوي إلى أديس أبابا اليوم. لكننا نعرف أن أفضل ما تفعله إثيوبيا هي أن تنسى. تكديس الجثث لا يبني الأوطان.