د. ياسين سعيد نعمان يكتب:
التصالح والتسامح قيمة لحياة مستقرة ومزدهرة
سيتوقف التاريخ طويلاً أمام دعوة التصالح والتسامح التي أطلقها الجنوبيون في تحد واضح لتاريخ مثقل بالصراعات والفتن والثأرات ، السياسية منها وغير السياسية .
لكن هذا التاريخ وهو يتأمل عظمة هذه الدعوة التي أطلقت في لحظة مفعمة بالشوق إلى مستقبل مزدهر وسعيد ، واحتشد تحت لوائها الملايين ، لا بد أن يضع عدداً من الاسئلة من أهمها على الإطلاق ما إذا كانت هذه العملية قد أطلقت من منظور عاطفي بمتلازمات سياسية من ذلك النوع الذي يمكن أن يتعثر بأي مشاكل على الطريق ، أم أنه لا بد من تدوينها على أنها ضرورة موضوعية بمقاربات منهجية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بكفاحية تحقيقها كهدف لا يمكن التخلي عنه تحت أي ظرف من الظروف؟.
لو كنت أنا من يحاور هذا التاريخ لقلت له بدون أدنى تردد إن الأفكار العظيمة على مر الزمان لا تولد جاهزة للتتفيذ ، وإلا لما سميت عظيمة . هي في الاساس دعوات كفاحية لتسوية واقع مثخن بالجراح ومثقل بالتشوهات والآلام ، ومعه فإنها لا بد أن تحمل مشروعاً للحياة يتجاوز كل بلادة الواقع الذي استولد هذه الالام . في كفاحها للوصول إلى هذا الهدف ستصطدم بكثير من العوائق ، وستصادم الكثير من حراس ذلك الواقع الذين يشكلون القوة المناهضة التي تعمل في الاتجاه المعاكس للتصالح ومشروع بناء الحياة الجديدة .
وستتوقف قوة وسلامة الدعوة على صمودها أمام كل هذه التحديات وتخطيها العقبات التي تزرعها تلك التحديات .. هي إذاً مهمة كفاحية في الأساس ، تأخذ مداها الزمني بمقدار ما يزداد التمسك بها ، ويتعزز اليقين بأهميتها كقيمة من قيم الحياة .
لا نعرف أمماً في التاريخ ولدت متصالحة ، وعند قررت أن تصيغ حياتها كأمة متعايشة ومتفاهمة ومستقرة كانت قيم التصالح والتسامح قد شكلت جزءاً من تراثها وثقافتها ، ومنها انطلقت تستلهم الادوات المنظمة لترسي قواعد حياتها الجديدة . التصالح والتسامح مهمة كفاحية قد تطول وقد تقسر ، ولا بد لكل من يحملها أن يتحلى بقوة الارادة وسلامة اليقين من أنها قيمة رفيعة من قيم الحياة تستحق المعاناة والتضحية لتنتصر .
لا يجوز تثبيط الهمة على هذا الطريق ، كما لا يجوز أن تتحول القضية إلى مجرد ذكرى .. بدون التصالح والتسامح سيظل الماضي يحرك مساراتنا خارج خط المسقبل .