سمير عطا الله يكتب:
ليس التدخل الأول
إذا ثبت في نهاية المطاف أن روسيا قد تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأميركية قبل عامين، فإنها لن تكون المرة الأولى. عام 1959 جاء الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف إلى الولايات المتحدة بدعوة من الرئيس دوايت آيزنهاور، أمضى خلالها أسبوعين يتنقل في أرجاء الولايات في قطار خاص. وكتب آيزنهاور في مذكراته لاحقاً أنه كانت هناك خشيَة حقيقية من أن يؤثر خروشوف في نتائج الانتخابات. وحاول نائبه ريتشارد نيكسون أن يمنع الضيف السوفياتي من الإدلاء بتصريحات تتعلق بالحملة التي يخوضها ضد جون كيندي، الذي عاد ففاز عليه.
لقد سحر الفلاح وعامل المنجم والراعي السابق، بطريقته العفوية وضحكاته وشخصيته البسيطة، الجماهير الأميركية في كل مكان. بقامته القصيرة الممتلئة، ورأسه الحليق، وعفويته الدائمة، استطاع التواصل مع كل من رآه أو تعاطى معه: الخدم في الفنادق، عمال القطارات، الصحافيون المرافقون، والمستقبلون العفويون في المحطات. حيثما وصل أقام حواراً مع الجميع. وقد أقر مترجمه الخاص فيما بعد، بأنه أُنهك في متابعته. وقد طابت له الزيارة إلى أميركا بحيث إنه عاد إلى نيويورك في العام التالي لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبدل أن تكون الزيارة مختصرة مثل بقية رؤساء الدول، دامت زيارته نحو ثلاثة أسابيع. وخلالها، حدث ما لم تشهده الأمم المتحدة من قبل أو بعد. فعندما كان مندوب الفلبين يُلقي كلمته، استشاط الزعيم السوفياتي غضباً، وخلع حذاءه الأيمن وراح يضرب به الطاولة أمامه. وما لم يذكره كثيرون أن وزير خارجيته أندريه غروميكو، رأى رئيسه يفعل ذلك، فاضطر هو أيضاً أن يخلع حذاءه ويضرب به الطاولة، ولكن بحماس أقل. وسوف نعلم، من المؤرخين فيما بعد، أن خروشوف قد خلع حذاءه غير مرة خلال الجلسات من دون أن يضرب الطاولة، لكنه لم يتوقف عن ضربها بقبضة يديه أو قبضتيه، وفقاً لمنسوب الاحتجاج. وكان غروميكو الدبلوماسي الضيف يضطر دائماً إلى مرافقة الزعيم بالعزف على الأيادي وهو شديد الارتباك بما يفعل.
خروشوف الغاضب عاد وصعد إلى منبر الجمعية العمومية ليعتذر من مندوب الفلبين، قائلاً إنه رجل طيب ومسكين، لكن مشكلته أن بلاده لا تزال تحت النفوذ الأميركي برغم استقلالها عام 1946. نَقلتُ إلى العربية عام 1971 مذكرات هذا الرجل الأسطوري الذي حل مكان ستالين ودخل تاريخ الشيوعية عندما وقف في المؤتمر العشرين للحزب، يُندد بالجرائم التي ارتكبها سَلَفه. وقد أثارت المذكرات يوم نشرها حول العالم، ضجة كبرى. وقيل فيما بعد إن الانصراف إلى كتابتها أنقذه من الكآبة الشديدة التي أصابته بعد خلفه. وقيل إن رحلتيه إلى أميركا وخبطه الحذاء الأيمن، كانت السبب الرئيسي في انقلاب الرفاق عليه. وفي يوم واحد لم يعد لذكره وجود، وألغي من التاريخ على الطريقة السوفياتية إلى أن وصل إلى الحكم ميخائيل غورباتشوف، فأحيا ذكراه، وأشاد بدوره في إصلاح الحركة الشيوعية وإنقاذها من سمعة ستالين.
شغل الفلاح الأوكراني، الولايات المتحدة وصحافتها طوال سنين. وكانت صورته مختلفة كثيراً عما هي صورة فلاديمير بوتين الآن. كذلك كانت صورة دوايت آيزنهاور مختلفة كلياً عن صورة دونالد ترمب. ويُقال إن خروشوف مات وفي قلبه حرقة كبرى: وهي منعه من زيارة ديزني لاند عندما طلب ذلك عام 1959. وربما كان في هذا القول صحة، فقد كان في الرجل طفل ظاهر على الدوام.
لقد سحر الفلاح وعامل المنجم والراعي السابق، بطريقته العفوية وضحكاته وشخصيته البسيطة، الجماهير الأميركية في كل مكان. بقامته القصيرة الممتلئة، ورأسه الحليق، وعفويته الدائمة، استطاع التواصل مع كل من رآه أو تعاطى معه: الخدم في الفنادق، عمال القطارات، الصحافيون المرافقون، والمستقبلون العفويون في المحطات. حيثما وصل أقام حواراً مع الجميع. وقد أقر مترجمه الخاص فيما بعد، بأنه أُنهك في متابعته. وقد طابت له الزيارة إلى أميركا بحيث إنه عاد إلى نيويورك في العام التالي لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبدل أن تكون الزيارة مختصرة مثل بقية رؤساء الدول، دامت زيارته نحو ثلاثة أسابيع. وخلالها، حدث ما لم تشهده الأمم المتحدة من قبل أو بعد. فعندما كان مندوب الفلبين يُلقي كلمته، استشاط الزعيم السوفياتي غضباً، وخلع حذاءه الأيمن وراح يضرب به الطاولة أمامه. وما لم يذكره كثيرون أن وزير خارجيته أندريه غروميكو، رأى رئيسه يفعل ذلك، فاضطر هو أيضاً أن يخلع حذاءه ويضرب به الطاولة، ولكن بحماس أقل. وسوف نعلم، من المؤرخين فيما بعد، أن خروشوف قد خلع حذاءه غير مرة خلال الجلسات من دون أن يضرب الطاولة، لكنه لم يتوقف عن ضربها بقبضة يديه أو قبضتيه، وفقاً لمنسوب الاحتجاج. وكان غروميكو الدبلوماسي الضيف يضطر دائماً إلى مرافقة الزعيم بالعزف على الأيادي وهو شديد الارتباك بما يفعل.
خروشوف الغاضب عاد وصعد إلى منبر الجمعية العمومية ليعتذر من مندوب الفلبين، قائلاً إنه رجل طيب ومسكين، لكن مشكلته أن بلاده لا تزال تحت النفوذ الأميركي برغم استقلالها عام 1946. نَقلتُ إلى العربية عام 1971 مذكرات هذا الرجل الأسطوري الذي حل مكان ستالين ودخل تاريخ الشيوعية عندما وقف في المؤتمر العشرين للحزب، يُندد بالجرائم التي ارتكبها سَلَفه. وقد أثارت المذكرات يوم نشرها حول العالم، ضجة كبرى. وقيل فيما بعد إن الانصراف إلى كتابتها أنقذه من الكآبة الشديدة التي أصابته بعد خلفه. وقيل إن رحلتيه إلى أميركا وخبطه الحذاء الأيمن، كانت السبب الرئيسي في انقلاب الرفاق عليه. وفي يوم واحد لم يعد لذكره وجود، وألغي من التاريخ على الطريقة السوفياتية إلى أن وصل إلى الحكم ميخائيل غورباتشوف، فأحيا ذكراه، وأشاد بدوره في إصلاح الحركة الشيوعية وإنقاذها من سمعة ستالين.
شغل الفلاح الأوكراني، الولايات المتحدة وصحافتها طوال سنين. وكانت صورته مختلفة كثيراً عما هي صورة فلاديمير بوتين الآن. كذلك كانت صورة دوايت آيزنهاور مختلفة كلياً عن صورة دونالد ترمب. ويُقال إن خروشوف مات وفي قلبه حرقة كبرى: وهي منعه من زيارة ديزني لاند عندما طلب ذلك عام 1959. وربما كان في هذا القول صحة، فقد كان في الرجل طفل ظاهر على الدوام.