سمير عطا الله يكتب :
500 قاضٍ
كانوا خمسمائة قاضٍ في محاكمته. وقضاة أثينا في ذلك الوقت (399 ق.م.) كانوا جميعاً من المتطوعين. ستة آلاف منهم. وهم متطوعون لأن إصدار الأحكام يحتاج إلى شجاعة. ومن يجد في نفسه الجرأة على إصدار حكم بالمؤبد، أو الإعدام، فليتقدم. خمسمائة رجل منهم تطوعوا لمحاكمة الرجل الذي سوف يُعرف منذ ذلك الوقت بأبي الفلسفة والفلاسفة. وكانت التهمة عظيمة، فإن هذا السفسطائي الذي يتجمع حوله المريدون والطلاب أنَّى ذهب، لا يكف عن التشكيك في آلهة أثينا! جميعها؟ أجل، جميعها.
امتلأت أدراج الساحة المفتوحة بالحضور. القضاة في أثوابهم البيضاء الفاخرة، والجماهير كذلك، والمتهم سقراط حافٍ، يرتدي ثوباً رثاً، يرخي شعره الأشعث كالمعتاد، وكأنه يتمشى في المدينة مسفهاً السياسيين والأوثان. ولما رفض توكيل محامٍ عنه، عيّنت المحكمة له محامياً متطوعاً وفق القانون. لكنه رفضه أيضاً. وبدل ذلك، راح يدافع عن نفسه. أو بالأحرى يهاجم القضاة: «لقد استجوبت من تسمونهم علماء، وتأكدت من أنهم لا يعلمون شيئاً. ولا شك في أنني أعلم الناس؛ لأن الآخرين يعتقدون أنهم يعلمون بعض الأشياء، أما أنا فإني أعلم بأني لا أعلم شيئاً».
انفجر القضاة بالضحك. وضحك الحاضرون. ومضى هو يخاطبهم: لا تحاولوا تبرئتي، فإنها رشوة لا تفيد. لن تغير في قناعتي شيئاً. لكنه حذرهم أيضاً: إذا أُعدمت، فسوف تخسر أثينا رجل النور، ويغرق الأثينيون من بعدي في سبات عظيم.
ختم مرافعته دون أن يطلب العفو أو الرحمة. اقترع لإدانته 230 عضواً و220 لبراءته. ووقف تلامذته، وبينهم أفلاطون، يعرضون دفع تعويض مالي عنه، فرفض، ورفض فكرة المنفى لأنه سوف يُمنع من الكتابة. ورأى القضاة في هذا التحدي إهانة لهم، ففي الدورة الثانية من الاقتراع صوَّت لإعدامه 360 عضواً.
الأرجح أنكم جميعاً قرأتم عن هذا الحدث من قبل. وأنا أيضاً كتبت عنه من قبل. لكن اليوم كان يخطر لي، ترى كم شخصاً في العالم، في التاريخ، يعرف اسم أحد القضاة، أو رئيس المحكمة، أو من كان قائد القوات المسلحة عندما نقل سقراط إلى السجن، حيث أمضى شهراً، أُعطي بعدها كأس السم يتجرعه؟ وغاب أفلاطون. وقيل إنه هرب لكي لا يلقى المصير نفسه.