البذل والعطاء

الجنوب.. ومعارك الوهم

تشتو الصدق .. لا غرابة ولا عجب في ان ( الجماعة ) عفاش والحوثي ومن لف لفهم دوما ينتصرون على الجنوب وتكون لهم الغلبة , مع ما يمتلكه الجنوب من مشروعية حق في رحلة نضال ابناءه , وحتى ما يطلق عليها البعض بانها ( انتصارات ) استطاع الجنوبيون تحقيقها ولعل اخرها طرد مليشيات الحوثي وقوات صالح من عدن وبقية المحافظات الجنوبية فلا تعدو ان تكون انتصارات هي اقرب الى الوهم منها الى الحقيقة وذلك لان مضمونها قد صودر من بين أيديهم وارجلهم ومن امامهم ومن خلفهم وعن يمينهم وعن شمالهم , فلا هم استفادوا منها ولا قدروا ان يجنبوا انفسهم ويلات ثمن الوصول اليها والذي دفعه من دم وارواح ابناءهم , وانعكست عليهم تداعياتها بصورة مؤلمة . تعالوا نراجع ويلاتها بصورة مبسطة بعيدا عن الجدل البيزنطي والتشنج في الطرح المتباعد عن الموضوعية والاستقراء المنطقي , وذلك من خلال الوقوف على راهن الوضع الحالي في عدن وبقية المحافظات الجنوبية التي أصبحنا نطلق عليها ( محررة ) , لقد ساءت فيها الأوضاع الى درجة غير معقولة ولم تشهد لهذا الانحدار مثيلا في تاريخها , لقد كانت الأوضاع اثناء وخلال أيام الحرب والمواجهات كانت اهون بكثير مما أصبحت عليه اليوم . اذن ماذا حصدنا وماهي حصيلة ونتاج تلك التضحيات الجسام؟ لم نحصد سوى مزيدا من الألم والمعاناة ,, وتواصل قوافل الشهداء والجرحى المغدور بهم . أتدرون لماذا؟ لأننا غيبنا الفعل الموضوعي لحقنا المشروع وقضية الجنوب المحورية , واستحضرنا الفعل القبيح والدنيء والاناني الضيق الذي لا يتجاوز في أهدافه ورؤاه حدود ارنبة انوفنا , وقدمناه ليحتل المرتبة الأساسية والأولى في سياق اهتماماتنا اليومية لما بعد الحرب التي كان ينبغي ان تنصب من اجل مواصلة واستكمال المشوار النضالي الحق والتأسيس لإعادة بناء ذواتنا وقدراتنا ومؤسساتنا التي ندعي ان سلطة صنعاء قد حطمتها وصادرتها مع اننا في الحقيقة نحن قد اسهمنا كثيرا في تحطيمها ولازلنا نعمل على تحطيمها الى اليوم بأساليب وطرق مختلفة مباشرة وغير مباشرة من خلال ابتداع وصناعة معارك وهمية يغذيها فينا ويمولها ويحرص على استمرارها وانغماسنا فيها من نسميه ( العدو ) ويصور لنا الامر وكأنها معركة مصيرنا ومستقبلنا وما عداها فتات ولذلك اضعنا الفرصة تلو الأخرى منذ نحو عشر سنوات وبددنا جهودنا وطاقاتنا وبعثرنا امكانياتنا وشغلنا انفسنا في السراب , فيما الطرف الاخر يستثمر كل ذلك بنجاح لصالح مشروعه وأهدافه واضعا رجل فوق الأخرى بهدوء أعصاب وراحة بال لأننا حملنا على عاتقنا الحرب بطرفيها . لقد كان محقا الرئيس المخلوع صالح عندما اكد وتحدى ان الجنوبيون لن يتحدوا او يتفقوا على أي موضوع او شأن من شئون حياتهم . لقد كان المقاومون الابطال خلال أيام الحرب في المواقع والخنادق في جبهات القتال لحمة وطنية واحدة جنبا الى جنب متراصين الصفوف والمواقف , لم يعرف سامي من أي منطقة زميله الخضر الذي يقف الى جانبه في الخندق ولم يسأل مثنى الذي أصيب عن الشخص الذي انقذ حياته من الموت وزحف لمسافة طويلة حتى ( يسحبه ) الى موقع المقاومة بعد اصابته رصاصة قناص حوثي وهو يحاول اجتياز الشارع الى الطرف الاخر لتعزيز موقف رفاقه في الطرف الاخر , كل ذلك واكثر كان واقعا مشهودا وتحتفظ به ذاكرة تلك الأيام العجاف المشرقة بتضحيات الاف من خيرة الشباب والرجال في الجنوب .لان الكل شكل لحمة وطنية واحدة على مبدأ واحد وهدف واحد ومصير واحد عنوانه ( قضية الجنوب ) فلم يدر بخلد سعيد الذي حمل كفنه وودع امه وابيه ان غدا وبعد انتهاء الحرب سوف تكون هناك معركة أخرى اشد فتكا وضراوة من التي يخوضها اليوم في مدينته , معركة ( من اين انت ؟ ) ولم يظن حمادة وهو يصارع الموت بعد مواجهة مع الحوثيين الذين اجتاحوا مدينته في ليل اظلم وارادوا تحويلها الى رماد ان من يسميهم اليوم رفاق السلاح والمصير المشترك سوف يسالون حمادة غدا عن اسم قبيلته ومن أي منطقة ينحدر وهو لا يعرف سوى شارع الزعفران او بالكثير شارع الحب , وكذلك فان مصطفى الذى سارع من قريته بعد ان اتصل بصديقه راجح لملاقاته في عدن ليشكلوا مع اخرين جبهة مقاومة تعزز قدرات وموقف إخوانهم سمير ومنعم وفضل وباسم ومحمود في الصولبان وخورمكسر والمعلا وكريتر وجعولة ودار سعد وغيرها , لم يدرك انه لاحقا سيظل معرضا للملاحقة والتخوين . اذن تعالوا اليوم على كلمة سوأ واشهدوا بما يدور من معارك فرغنا انفسنا لها , ان كتب شخصا موضوعا في أي وسيلة او تحدث في لقاء او مقيل منتقدا تصرفا او سلوكا يرى فيه خطاء لهذا المسئول او ذاك , انبرى عشرات المهاجمين ضده مدافعين بالحق وبالباطل عن ابن منطقتهم هذا المسئول وموجهين سهام التخوين والمناطقية قبل ان يدركوا او يتمعنوا في فحوى ومضمون هذا الانتقاد او الطرح عن هذا المسئول .وبالمقابل فكم من أناس يجندون انفسهم ويسخرون قدراتهم في أمور سخيفة ثانوية بعيدة عن كم هي مقيتة هذه المناطقية القذرة التي اخذ الكثيرون يتسترون بها ويستهدون بها في تصرفاتهم وسلوكياتهم وافعالهم بل وقراراتهم. اقسم لكم بمن رفع السماء بلا عمد ان طال بنا المقام هكذا اشهرا أخرى في الاستمرار بخوض هذه المعارك وعدم الانفكاك منها والانتباه لمعاركنا الحقيقية , فإننا لن نستطيع ان نخطو خطوة واحدة بل على العكس سوف تتصلب ارجلنا في مواقع الوحل هذه اكثر واكثر وسيتمكن المتربصون بنا _وما اكثرهم _ ليس من مصادرة احلامنا وواد مشروعية حقنا وطمس قضيتنا فحسب , بل ومسح بنا الأرض مثلما يمسحون احذيتهم بورق الكلينكس ثم يرمونها على قارعة الطريق . ملاحظة : قد أبدو للبعض متشائما فيما ذهبت إليه ولكنها حرقة في النفس لما نحن فيه .