فاروق يوسف يكتب:
لمَ لا ترسم شجرة؟
في كل مرة تراها فإن الشجرة لا تشبه نفسها، هي نموذج لحياة، يمتزج من خلالها الحس بالشعور، هناك دائما ما يحدث فيها ليغير من مشهدها الخارجي ويكثف من وقع تأثيرها الروحي.
لذلك فقد حظيت الشجرة باهتمام الرسامين في مختلف العصور، بل إن طريقة وأسلوب وتقنية رسمها غالبا ما كانت عنوانا للتحولات الكبرى.
أتذكر شجرة الفرنسي بوسان الهادئة والعميقة في شاعريتها وأقارنها بشجرة الهولندي بيت موندريان التي وهبت الفن التجريدي جزءا من نضارته، مرورا بأشجار الانطباعيين الذين التقطوا ضوء النهار، وقبلهم معلمهم الكبير وليام تيرنر، وأنحني تقديرا للطبيعة التي وهبتنا واحدا من رموز ديمومتها وتحولاتها التي تشهد على قيمة التغير في حياة الإنسان.
أفكر في الشجرة كيانا ملهما وأنا أنظر إلى الأشجار التي رسمها يوسف الناصر (عراقي مقيم في لندن) والتي صارت جزءا من حياتي من خلال لوحتين صغيرتين أعلقهما في بيتي.
“تعرف أنني أرسم أشجارا”، يقول لي الناصر، وهو يظن أنه يفاجئني بشغفه، أصمت من أجل أن أجعله يزيدني سعادة بذلك الولع بحقيقة الرسم كما لم يتعرف عليه الرسامون العرب، لذلك طووا تلك الصفحة بعجالة، ما فعلوه لم يكن ينم عن ذكاء، لقد هربوا من قوة إلهام تواجههم يوميا بخيالها.
يرسم الناصر أشجارا تتمنى أن تكون أشجارا حقيقية، بمثل ذلك الوفاء يواجه الرسام ملهماته، من الخطأ أن نعتبر الشجرة موضوعا مستهلكا، الشجرة مثل الحب ليست قديمة، كلما نقع في الحب نظن أن أحدا لم يسبقنا إليه، كذلك الشجرة.. كل نظرة جديدة يلقيها المرء عليها تنطوي على فكرة حياة جديدة لا تُضاهى.
ذلك ما تفعله بي أشجار يوسف الناصر التي أمر بها من غير أن أضجر من النظر إليها، تلك أشجار تتشبه بملهماتها، وهو ما لا يفعله إلاّ رسام حقيقي تمكن من إقامة علاقة صادقة بمصادر إلهامه، تلك العلاقة يحتاجها الرسام من أجل أن لا يشعر بالخواء وبغياب الجدوى.