فاروق يوسف يكتب:

مصير كركوك يقرره الشعب العراقي

يَهبُ عادل عبدالمهدي كركوك للأكراد بعد أن استعادها حيدر العبادي منهم. رئيس الوزراء العراقي الحالي يفسد ما فعله رئيس الوزراء السابق. أيمكن النظر إلى تلك المسألة الحساسة بتلك الطريقة التي تنطوي على الكثير من التبسيط من غير الاستفهام عن موقع الأكراد في الحياة السياسية العراقية، ومستويات علاقات إقليمهم بـ”بغداد” التي يتنازعون معها على كركوك. كان الاستفتاء الذي فرضه مسعود البارزاني على الأكراد واضحا في نتائجه. “نعم للانفصال. لا للبقاء جزءا من العراق”. ما شجع الوصول إلى تلك النتيجة أن هناك دولة للأكراد في شمال العراق اسمها “كردستان” كانت قائمة منذ ربع قرن. تلك الدولة صُنفت باعتبارها إقليما تابعا للدولة العراقية، ولكنه تصنيف كاذب لا يستقيم مع الواقع. صحيح أن تلك الدولة كانت برأسين عنيدين هما أشبه بالعدوين. أحدهما في أربيل والثاني في السليمانية، غير أن الرأسين لا يعترفان بسيادة العراق ولا بحكم بغداد ولا بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية. وهما يعرفان أكثر من غيرهما أن بغداد تكذب حين تدّعي السيادة على ما تسميه بــ”الإقليم الكردي”، فهي لا تملك فيه شيئا. الإقليم الكردي كذبة اخترعتها بغداد التي لم تعترض على إقامة حدود بين ذلك الإقليم وباقي أجزاء العراق تشبه الحدود بين دولتين، وليس مسموحا للعراقيين بدخول أراضي الإقليم إلا إذا كان لديهم كفيل فيه. تلك الدولة التي تُسمى إقليما لها حصة في ثروات العراق كفلها الدستور الذي ساهم الأكراد في كتابة الكثير من فقراته. غير أنها، في المقابل، تشعر أنها ستكون ناقصة من غير كركوك. وكركوك الغنية بالنفط لمَن لا يعرفها كانت دائما مدينة يسكنها خليط من العرب والتركمان والأكراد. بل إن هناك اعتقادا شعبيا كان يعتبرها مدينة التركمان. تلك الأقلية التي ضاع صوتها وسط قعقعة السلاح. بتخليها عن كركوك تكتب بغداد آخر سطر في كتاب الفجيعة تلك التركيبة المعقدة يمكن أن تكون سببا لنشوب حرب بين العراق وين دولة كردستان في حال أعلنت الأخيرة عن قيامها باعتراف عالمي. وهو ما لم يحدث حتى الآن. الاستفتاء الكردي الذي انتهى إلى وجود رغبة شعبية في الانفصال، يؤكد أن الدولة الكردية بعد أن تم إنجازها واقعيا ستكون حقيقة معترفا بها في وقت من الأوقات. وهو ما يجب أن تحتسب له حكومة بغداد وهي تتفاوض بطريقة المزايدة على كركوك. مشكلة حكومة بغداد أنها لا تعرف حدودا للعراق سوى تلك الحدود التي تحيط بالمنطقة الخضراء، وهي منطقة الحكم المحصنة. والأكراد من جهتهم يعرفون أن مَن يحكم في بغداد لا يملك حسا وطنيا يؤهله للدفاع عن وحدة أراضي العراق والسيادة الوطنية بمفهومها الحقيقي، وهو جاهل في ما يرتبه عليه وجوده في السلطة من مسؤوليته إزاء ممتلكات ذلك الوطن. وهنا بالضبط يكمن مصدر القلق العميق على مصير المدينة التي من المؤكد أنها ستشهد موجة تهجير ونزوح إذا ما استعادت الميليشيا الكردية “بيشمركة” السيطرة عليها بعد سحب بغداد لقطعات الجيش العراقي. ذلك لأن تكريد كركوك في ظل صمت حكومي سيفتح الباب واسعا أمام تهجير من تبقى فيها من سكانها العرب. وكما هو واضح فإن إلحاق المدينة بـ”إقليم” كردستان واقعيا لا يعني فقط التخلي عن ثرواتها، بل وأيضا عن بشرها. وهو ما يشكل إعلانا رسميا من بغداد بأنها لن تكون معنية بمصير المكونات غير الكردية التي شكلت عبر التاريخ عنوانا للتنوع الاجتماعي الذي عاشته كركوك عبر التاريخ. بتخليها عن كركوك تكتب بغداد آخر سطر في كتاب الفجيعة الذي صنع من العراق بلدا للمقاطعات المغلقة طائفيا وعرقيا. غير أن التخلي عن كركوك، وهو أمر في غاية الخطورة، لا يمكن أن تقرره حكومة بغداد بل يجب أن يُعرضَ على الشعب في استفتاء عام. فليس مهما أن تكون غالبية السكان في كركوك كردية أم عربية أم تركمانية. المهم في الأمر أن كركوك هي مدينة عراقية يتم انتزاعها بما يشبه المكيدة التي يمكن أن تتعرض لها أي مدينة من مدن العراق. كركوك عراقية وهي ما تبقى من روح العراق في تنوعه الخلاق. لذلك فإن مصيرها يجب أن يكون في سياق إرادة شعبية لا في أيدي لاعبين صغار، يؤدون أدوارا ثانوية في مسرحية للدمى.