سمير عطا الله يكتب :
غرب وشرقان
العناوين المألوفة مثل موقف روسيا من نيكولا مادورو، أو نقل المشير عمر البشير إلى دمشق في طائرة عسكرية روسية، توحي وكأن الصراع الدولي في بقية هذا القرن سوف يكون مثل القرن الماضي؛ بين موسكو وواشنطن. خطأ. عام 1957 تكهّن الكاتب جورج شتاينر (وكان النزاع الصيني - السوفياتي في ذروته) بأن الصراع سوف يكون بين الصين وروسيا من جانب؛ والولايات المتحدة من جانب آخر.
من يقرأ الأدبيات السياسية والفكرية الأميركية الآن يجد أن الأميركيين يعيشون هاجس الخوف من النمو الصيني، كما كانوا يرتعبون من القوة السوفياتية. في أقل من 15 عاماً لم تخض الصين أي نزاع عسكري، فيما نقلت 800 مليون إنسان من حالة الفقر، وأنشأت أضخم طبقة متوسطة في العالم. ومن بين جميع الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، لم تطلق الصين رصاصة واحدة عبر حدودها، في حين أن أميركا أسقطت 26 ألف قنبلة على 7 دول في عام واحد.
حدث كل ذلك والحزب الشيوعي لا يزال هو الحاكم في البلاد. لكن الانفتاح لا يزال بلا حدود، فالعام الماضي بلغ عدد السياح الصينيين 134 مليوناً بعدما كان محظوراً على الصيني السفر إلى الخارج لعدة عقود. ويبدو أن الرهان، أو الأمل الأميركي الوحيد في هذا الصراع هو أن ينهار الحزب الشيوعي الصيني من تلقاء نفسه، كما انهار الحزب الشيوعي السوفياتي من قبل.
لكن لا شيء يضمن ذلك رغم أن الصين تتقدم العالم الرأسمالي... ولا تزال خريطة القوى العالمية كما عدَّدها شتاينر عام 1957: «ثلاث دول كبرى؛ اثنتان منها ضدنا. أي إدارة تتجاهل هذه الحقيقة تعرِّض أمننا القومي للخطر في المدى البعيد»!
فريق آخر من الأميركيين يرى الحل في العمل على الفصل بين روسيا والصين. وهذا احتمال رومانسي حتى الآن... ففي السياسة يتصرفان كأنهما حلف واحد، كما حصل في المسألة السورية. لذلك، على الذين عاشوا يومياتهم الماضية على نغم التوتر بين الشرق والغرب، أن يدركوا أننا سنعيش حياتنا على نغم التوتر بين الغرب والشرقين... شرق أقرب وشرق أقصى.