سمير عطا الله يكتب:

والنهر لن يرضى

أبدى الغرب اهتماماً شديداً بالدكتورة نوال السعداوي بسبب موقفها من حرية المرأة، وأبدينا إهمالاً (أو عداء) لها، للسبب نفسه. وقد خاضت الدكتورة السعداوي معاركها دون هوادة منذ ستة عقود حين عادت طبيبة إلى قريتها، ووصلت تلك المعارك ذروتها عندما وضعت «مذكرات من سجن النساء» عن تجربتها في سجن الرئيس السادات مع 12 محكومة أخرى من الماركسيات والغواني.
تخصص «تايمس ليترري ريفيو» أهم صحيفة أدبية في بريطانيا، بحثاً كاملاً لكتاب السعداوي الأخير «المشي في النار» وهو مذكراتها التي نقلها إلى الإنجليزية زوجها شريف حتاتة. مذكرات في السجن، وفي حظر كتبها، وفي التهديد بالقتل. وفي العام 2001، وقفت أمام المحكمة لإرغامها على الطلاق من زوجها الثالث، الأستاذ حتاتة. وقد فشل الحكم، لكن السعداوي طلقته في أي حال، لأنه اعتدى على حقوقها، عندما علمت بعد 43 عاماً من الزواج أنه يقيم علاقة مع امرأة تصغره 50 عاماً.
أخذت السعداوي عنوان كتابها من جملة كانت ترددها والدتها «يمكن أن ترمي نوال في النار، لكنها سوف تخرج منها دون أن تصاب بخدش. ما من أحد في العالم أكثر ذكاء منها». تكرر السعداوي أنها تكتب كما تحكي لأنها لا تطيق التصنع، في حياتها الخاصة أو العامة، متأثرة أيضا بجدتها الفلاحة والأمية.
وفي مقال لها مؤخراً في «المصري اليوم» بعنوان «حوار مع ممثلة مصرية قديمة» تأخذ على محاورتها انجرافها في الموجة الراهنة من محاولة إخفاء آثار التقدم في السن. لكنها لا تلوم الممثلة وحدها، بل الحالة الاجتماعية التي لم تعد تسمح لأحد بالبقاء من دون اللجوء إلى هذه الأساليب.
التقيت الدكتورة السعداوي مرة واحدة في لندن أوائل الثمانينات. وكان يبدو بوضوح أنه لم يلطف أي لون شعرها منذ أن بدأ رحلة البياض، ولا تزال تظهر في هذا اللون الصاعق في كل صورها.
بعد تخرجها في كلية الطب، جامعة القاهرة، عادت إلى قريتها كفر طحلة، مطلقة ومعها طفل. وانخرطت فوراً في المجتمع الريفي. وأول ما لاحظته أن اللغة العربية ضدها ومع الرجل. فإذا قلت «رجل الشارع» تعني الرأي العام، أما إذا قلت «ابنة شارع» فأمر معاكس تماماً. وهكذا أيضا إذا قلت «رجل حر» و«امرأة حرة». وإذا تحدث رجل عن الثورة فمسألة آيديولوجية أما إذا تحدثت امرأة عنها فخلل أخلاقي. أول مرضى عيادتها كانت فتاة في الرابعة عشرة، متزوجة من رجل كهل، تصاب بنوبات عصبية وتسكنها العفاريت. وذات يوم شاهدت جثمانها الهزيل طافياً على سطح النهر. ذكرها ذلك بأسطورة أوزوريس، النهر الإله الذي كانت تقدم له العذارى لإرضائه. عبثاً.