فاروق يوسف يكتب:

درس حسن شريف

في كل مدن العالم هناك شوارع وساحات تحمل أسماء فنانين وشعراء وروائيين وعلماء وفلاسفة، وتبقى في ذاكرة زوّار تلك المدن أنهم جلسوا في حانة شكسبير بلندن، وأنهم مشوا في شارع أبولنيير بباريس، وسكنوا في فندق دافنشي بروما، وكانوا يمرون كل صباح بتمثال بيسوا بلشبونة، وكانوا يتسكعون في حديقة خوان ميرو ببرشلونة.

في العالم العربي ما من شيء من ذلك، ليست هناك حانة في طنجة تحمل اسم ابنها محمد شكري، ليست هناك ساحة في بغداد تحمل اسم جواد سليم وهو الذي يقع نصبه في قلبها، ليس هناك شارع باسم الأخوين وانلي في الإسكندرية التي رسماها بطريقة غرامية، ليست هناك مقهى في دمشق باسم فاتح المدرس وهو الذي وهب الدمشقيين شكل المواطن العالمي.

ولكن ذلك ما كان له أن يحدث لولا أن الإهمال الحكومي لرموز الثقافة كان نوعا من الازدراء لقيمة المثقف، التغييب هو قرار حكومي قبل أن يكون خيارا شعبيا، لم أسمع أن المغرب أقامت معرضا استعاديا لواحد من أعظم رساميها هو أحمد الشرقاوي.

حين عرض عليّ رضا العموري رسوم علي بن سالم شعرت بالأسى لأن تونس لم تفخر بواحد من أعظم الرسامين في القرن العشرين، في مصر هناك عشرات الرسامين والنحاتين الذين يمكن الاحتفاء بهم يوميا، غير أنك تدق بابا قد أوصد بالصدأ.

لقد احتفلت دولة الإمارات بفنانها حسن شريف بعد موته، كان ذلك الاحتفال درسا عميق المغزى، من خلاله أدركت تلك الدولة الفتية ما معنى أن يكون لها فنان، سعى إلى أن يضعها على خارطة العالم الفني.

درس حري بالدول العربية الأخرى أن تتعلمه، سيكون من الصعب على المؤسسة الفنية العربية في خضم انهماكها بالاستعراضات غير المجدية أن تتفرّغ لتنظيم معارض من ذلك النوع، ولكنها في الحقيقة ترتكب خطأً كبيرا في حق التاريخ الفني، وهي عن طريق ذلك الإهمال تهب الدولة حقا غير مشروع في إهمال الفنانين.