سمير عطا الله يكتب :

ديمقراطيون بلا حدود

يتطلع الرئيس نيكولا مادورو في عاصمته، فيرى شوارعها مكتظّة بمئات الآلاف من البشر يهتفون بخروجه، فيكون جوابه: فلنحتكم إلى الانتخابات! يتأمل في لائحة الهجرة، فيجد أن 3 ملايين من مواطنيه تركوا البلاد إلى الدول المجاورة بحثاً عن لقمة لهم ولأقربائهم. ويشاهد نشرة الأخبار في المساء، فيجد أن الآلاف من الفنزويليين اتجهوا إلى الحدود مع كولومبيا لكي يبيعوا شعرهم لقاء بعض الطعام. ويشاهد الأفلام الوثائقية على قناة «فرانس 24»، فيرى صوراً حقيقية لمواطنيه وهم يعيشون بين الحشرات. ويطلب تقريراً من وزير الاقتصاد، فيبلغه هذا أن التضخّم قد زاد عن المليون في المائة. وفي الخلاصات التي يصنعها من مؤيديه، أو من معارضيه، أو من الجهات الدولية الرسمية، يتبين له أن بلاده قد أصبحت في عهده بين أشقى الحالات البشرية. فماذا يكون جوابه على كل ذلك؟ يكون جوابه على هذه المأساة التي تلفّ الملايين من شعبه، أن يدعو إلى انتخابات مبكّرة.
الانتخابات هي أول وأهم شروط الحكم الديمقراطي، لكنها تقع غالباً في أيدي رجال مثل السنيور مادورو، فتصبح كرسياً يجلس عليه فوق أعناق الناس. وغالباً ما تتحول إلى ذريعة قانونية للبقاء مدى الحياة. ولا يعود مهماً آنذاك زحف 3 ملايين إنسان من أجل لقمة الخبز، ما دامت صندوقة الاقتراع قد هتفت بحياة الزعيم. والمتعارف عليه في أنحاء العالم، أولاً وثانياً وثالثاً، أن الاقتراع في أنحائنا جزء من طقوس الديكتاتورية. عملية لا يصدّقها أحد لأنها تؤدي دائماً إلى النتائج نفسها. وقد كان معمر القذافي على حق يوم قرّر عدم إضاعة الوقت في طقوس وعادات لا أهمية لها، فقد أوكل الشعب وحكم الشعب وسلطة الشعب إلى «اللجان الشعبية»، وتركها تقرر مصائر الناس، وتؤدّب المعترضين من الجرذان.
الشبه الكبير بين فنزويلا وليبيا أنهما قابعتان فوق كنوزٍ وثروات بلا حدود، ولكن أيضاً فوق فساد لا حدود له. ولا شك إطلاقاً في أن سائق الحافلة السابق نيكولا مادورو مقتنع في داخله بأنه المنقذ الأمثل للبلاد. كما لا شك في محبّته وتكرّسه للفقراء الذين جاء من بين صفوفهم. لكن المشكلة هي في إقناع الآخرين بذلك. فمنذ مجيئه، تضاعف عدد الفقراء عشرات المرّات، وتدهور الفقر إلى مجاعة، وتكاد البلاد برمّتها تنقسم بين فريقين: واحد يهرب طلباً للغذاء، وواحد يملأ شوارع المدن طلباً لرحيل الرجل.
ماذا عن مؤيدي الرئيس؟ لقد رأيناهم يخرجون إلى التظاهر هم أيضاً، وشاهدنا المنظر نفسه في الخرطوم، وقبلها في اليمن، حيث كان مؤيدو ومعارضو علي عبد الله صالح يتنافسون في إعداد الحشود، لكن حالات الإنكار والإصرار تنتهي دائماً إلى خسارة الوطن نفسه. وقد اكتشف الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بمهارة وصدق خَواء الانتخابات وعبثيّتها، فسارع إلى وضع بلاده أمام الحقيقة، بدلاً من إغراقها في المظاهرات والمظاهرات المضادة.
إن الانتخابات في بلدان العالم الثالث تَرَف مكلف ومضحك وبلا فائدة. وها نحن نشهد مرة أخرى أمّة تتمزق من أجل رجل لا يقرأ إلاّ نفسه.