سمير عطا الله يكتب :
مذكرات مغربية
أسس جون كيندي فور انتخابه رئيساً، شيئاً سماه «متطوعو السلام» يضم مجموعة من المتطوعين والمتطوعات الشباب، توزعوا في أنحاء العالم الثالث يشاركون مجاناً في التعليم والطبابة وغيرها. بين هؤلاء كانت شابة من ولاية نبراسكا تدعى سارة ستريد.
كان ذلك أوائل الستينيات، وفي عام 1991 وضعت السيدة ستريد كتاباً حول تجربتها في المغرب، حيث كان دورها تدريس اللغة الإنجليزية في إحدى ثانويات طنجة. واضح أن نظرة ستريد إلى تلك التجربة كانت مريرة إلى حد بعيد. واحدة من تلك «الصدمات الحضارية» التي طالما تشابهت في تجارب أهل الشرق والغرب على السواء. لكن المرارة عند المعلمة الشقراء البالغة 24 عاماً آنذاك، تبطّن شيئاً من الثأر.
ما تسميه «مذكرات من المغرب» هو في الحقيقة عمل أدبي يحتمل مثل أي عمل آخر النقد والنقاش. فالحياة التي تذمرت منها في طنجة، أحبها عدد من كبار أدباء أميركا وفرنسا. والمشاهد التي توقفت عندها بفوقية وحدّة، توقف عندها الآخرون بنوع من الإعجاب بالحياة الشرقية، وصمود الناس في وجه الظروف الطبيعية.
بدل أن تمضي ستريد عامين في مهمتها، كما هو مقرر للمتطوعين، أصيبت بعد عام ونصف العام بأمراض غامضة استدعت نقلها إلى نيويورك للعلاج النفسي والصحي. هنا تعقد المعلمة السابقة المقارنات بين الحياة في أميركا والحياة في المغرب أوائل الستينيات، وبين الرخاء والفقر. بين حرية المرأة والزوجة التي تتعرض للضرب، كلما خطر لزوجها أن يغرق في السكر. ثم تروي أنها تلقّت الرسائل من تلامذتها حول الإشاعات التي سرت عن أسباب سفرها المفاجئ. في إحدى هذه الرسائل، يقول تلميذ لا تنشر اسمه، الآتي: «معلمتي العزيزة، يقال لنا هنا بعد سفرك أن السبب هو إصابتك بـ(السيدا) (الإيدز)، وأرجو ألا يكون ذلك صحيحاً. أتمنى أن تردّي على رسالتي».
لا سبب للشك في عمل السيدة ستريد، سواء كان صحيحاً أو مبالغاً به على الطريقة الأدبية بغرض الإثارة. لكن في الغرب هناك مسؤولية كبرى للناشر، إن لم يكن المؤلف. وهذه المسؤولية تفرض الدقّة، ولا تترك مجالاً حتى لخطأ مطبعي صغير، لأن مثل هذا الخطأ قد يدمّر سمعة الدار ويؤدي أحياناً إلى إفلاسها وتوقفها عن العمل. ولو كان أمامي فرصة، أو مجال، لأبلغت السيدة ستريد بأن «الإيدز» الذي تحدث عنه تلميذها المخلص أوائل الستينيات، لم يكن معروفاً في العالم قبل عام 1981.
قبل ذلك، لم يكن له اسم ولا ذكر علمي أو أدبي أو صحافي في أي مكان. فكيف والأمر في ثانوية بعيدة في طنجة قبل 20 عاماً من ذلك الوقت؟ ليس من العدل أن نحكم على مذكرات السيدة ستريد من خلال خطأ من هذا الحجم. ولكنه في أحسن الحالات، يُرسل الشكوك حول نواياها الواضحة، خصوصاً أنها لم تحاول إخفاءها.