سمير عطا الله يكتب:

حكاية 3 أشقاء... و3 أشقاء

قبل نحو ربع قرن تعرفت في ضاحية بيروتية إلى بقالة صغيرة يديرها ثلاثة أشقاء. كل شيء في الدكان كان يلمع نظافة. كل واحد من الثلاثة كان يعمل في حيويَّة. تلاقت اللطافة مع النظافة مع الحيوية. وقلت في نفسي يومها إن هؤلاء الشبان يتقنون عملهم كما يحب الله، وسوف ينجحون.

منذ عامين تقريباً مررت في المنطقة فوجدت أن البقالة الصغيرة قد هدمت وأقيم مكانها بناء ضخم يضم سوقاً كاملة. وبالصدفة، مررت مرة أخرى على طريق أحد الجبال فرأيت إلى جانبها بناء ضخماً يحمل ذلك الاسم الصغير ذات يوم. وتوقفت أمام المبنى ودخلت أسأل إن كان أحد الأشقاء موجوداً.
جاءني الشقيق الأوسط. سألته إن كان قد عرفني، فاستغرب السؤال باسماً ومرحباً. فهو يعرفني من الصورة. وقلت له، ليس هذا ما أقصد، بل هل تذكرتني يوم كنت من رواد الدكانة الصغيرة؟ وتقدم مني وعانقني. وقلت له لقد مررت بالمكان لأهنئكم. أنا فخور بنجاحكم.

أمس التقيت زميلة لم أرها منذ فترة طويلة. سألتها عن أحوالها فتحدثت بمحبة وسعادة عن عائلتها وأبنائها الثلاثة، وعن عملها، ثم توقفت فجأة عند خبر غير سعيد، وهو أن زوجها الذي يملك مع شقيقيه «سوبر ماركت» في منطقة سكنهم، سوف يعرض المكان للبيع. لماذا؟ لأن شركة ضخمة أقامت قربهم مبنى هائلاً تمهيداً لفتح سوق لا يمكن لأحد منافستها أو الصمود قبالتها.

ترددت في أن أسألها عن اسم الشركة لأنني حزرته. وشعرت بعقدة ذنب وكأنني ساهمت في صنع المشكلة. وتخيلت العائلة تضطر بعد اليوم للتقتير على أبنائها. ووجدت نفسي في مأزق المصادفات: هل أنا فرح لنجاحات الأشقاء الثلاثة الذين بدأوا في بقالة صغيرة، أم أنا حزين لهزيمة الثلاثة الآخرين أمامهم؟ وأين هو العدل في كبح النجاح أو في ترك الحياة على طبيعتها؟

صحيح أنني أتحدث عن غرباء تقريباً. لكن ما دمت قد عرفتهم وعرفت عنهم، فهم لم يعودوا غرباء. الفريقان نموذج للحياة الحديثة: طريق واحدة يسقط إلى جانبيها الضحايا وينهض الناهضون. تتغير حال وتتبدل حال وفي مساحة صغيرة من الأرض وفي عمل واحد يكتسح ثلاثة أشقاء ويتراجع ثلاثة، ويعز من يشاء.