د. علي الخلاقي يكتب لـ(اليوم الثامن):

موقف مبكر للشيخ النقيب برفض (اليمننة) قبل 60 عاما


لدعاة العودة إلى باب اليمن الذي لدغنا من جحره مرتين ..أقدم هنا موقفاً سياسياً مبكراً وناضجاً سجله الشيخ أحمد أبوبكر النقيب في العام 1957م، لعل دعاة (الاتحادية) يتعظون ويعودون إلى شعبهم ليكون هو صاحب القرار ، لا أن يقررون نيابة عنه ما لا يريده ويرفضه...

الموقف الأول مع أمين عام جامعة الدول العربية:

في عام 1957م استقبلت البيضاء وفد الجامعة العربية برئاسة الأستاذ عبدالخالق حسونة الذي وصل بطلب من الإمام أحمد بهدف تقصي الحقائق في مناطق الجنوب واللقاء بالثوار والنظر في مطالبهم، وقد استقبل بحفاوة كبيرة من قبل القبائل التي وصلت من مختلف المناطق. وممن وصل إلى البيضاء السلطان الثائر محمد بن عيدروس العفيفي والشيخ الثائر أحمد أبوبكر. ومن مواقف الشيخ أحمد، نذكر ذلك الموقف الذي حدث بينه وبين النقيب صالح بن ناجي الرويشان عامل الإمام في البيضاء. فعند وصول وفد جامعة الدول العربية، طلب النقيب الرويشان من معظم سلاطين ومشايخ الجنوب الذي تواجدوا حينها في البيضاء أن يوقعوا على مسودة كان قد أعدها ومن أهم ما فيها (إننا جزء لا يتجزأ من اليمن) وكان الشيخ أحمد أبوبكر النقيب آخر من وصل إلى البيضاء، وعندما قابل النقيب صالح بن ناجي الرويشان عرض عليه المسودة بعد أن وقع عليها سلاطين ومشايخ الجنوب جميعاً وطلب منه التوقيع عليها لتسليمها لوفد الجامعة العربية برئاسة عبدالخالق حسونه، ولم يوافق الشيخ أحمد على التوقيع عليها، فاستغرب النقيب الرويشان لهذا الموقف المفاجئ وغير المتوقع من الشيخ أحمد لمعرفته أنه من أبرز أصدقاء الإمام أحمد، وأوضح الشيخ أحمد موقفه هذا بالقول: إننا وكل يمني جنوبي أو شمالي لا ننكر إن الجنوب جزء من اليمن ولكن عامل الوقت الآن لا يسمح لنا أن نتصرف كذلك ونحن نرزح تحت نير الاستعمار لسببين، الأول إننا كسلاطين ومشايخ نعد بعدد أصابع اليد ولا نملك تخويل من شعب الجنوب بمثل هذا التصرف. والثاني إن الوقت ليس مناسباً لمثل ذلك، والصحيح هو أنه عند رحيل الاستعمار من البلاد سيكون مناسباً الاستفتاء على هذا الأمر من قبل الشعب وليس من قبل السلاطين والمشايخ، وما يريده الشعب علينا أن نؤيده. وقد علم أعضاء وفد الجامعة بهذا الموقف وأيدوه، وغير النقيب صالح الرويشان المسودة بحذف هذه العبارة. ولكن الرويشان لم يكن راضياً عن هذا الموقف وقد بلغ الإمام بذلك وبدوره قاطع الشيخ أحمد ولم يكن يرد على رسائله لفترة كما كان يفعل من قبل مما يدل على عدم رضاه عنه.

الموقف الثانيى مع الإمام في حمام السخنة:

وارتباطاً بموقفه السابقه مع الرويشان نذكر للشيخ أحمد موقفاً آخر مع الإمام أحمد نفسه في الحديدة، وتحديداً في قصره في حمام السخنة خارج الحديدة، فقد كان الشيخ أحمد أبوبكر النقيب ضيفاً على الإمام أحمد في ديوانه بحمام السخنة، وكان الشيخ يأمل أن يسمح له الإمام بمقابلته سريعاً. لكن ما حدث هو العكس فقد تعمَّد الإمام تأخير المقابلة ستة عشر يوماً، وحينها كان الشيخ أحمد بين وزراء الإمام وكأنه غريب، حيث اختاروا له موقع جلوسه في جهة مقابلة للباب والشمس تسطع في وجهه عصراً وقت المقيل، وفي تلك الأثناء خرج الإمام من قصره إلى الديوان وبيده علبة معدنية مغلقة بقفل وكان بداخلها القات الذي سيمضغه، وأخذ الإمام موقعه على أريكة (قعادة) من ذلك النوع الخشبي المشبوكة بالحبال، وكانت على يمينه ويساره قعادتان لم يجلس عليهما أحد، ففتح العلبة وأخذ يمضغ القات، وقد أدار رأسه ليرى النقيب على يمينه في جلسة لا يحسد عليها وأشعة الشمس تسقط عليه من ناحية الباب، وعندئذ قال الإمام مخاطباً الشيخ أحمد: "هيا مِهْ يا نقيب شمس" فرد النقيب: نعم يا مولانا شمس. فقال الإمام: "تفضل أقرب هانا" أي إلى جانبه، فقام النقيب وجلس بجانب الإمام، وسأله الإمام: "ما يقولون أهل الجنوب يا نقيب" فقال الشيخ أحمد: أهل الجنوب يقولون متى ما تحسن اليمن نحن من اليمن وإلى اليمن. ولم يعقب الإمام أو يرد بسرعة، بل مكث بضع دقائق متجهماً وعلامات الغضب بادية على ملامح وجهه، ونظر إلى الشيخ أحمد بعينيه الجاحظتين وقال وهو يدق على الطاولة التي أمامه: "سيتحسن اليمن رغم أنف الاستعمار". فقال النقيب معقباً: "بفضل الله وبفضل مولانا الإمام سيتحسن وضع اليمن بإذن الله". بعد ذلك بقليل غادر الإمام المجلس عائداً إلى القصر وكان الوقت الذي مكثه في المجلس لا يتجاوز عشرين دقيقة فقط. وبعد مغادرة الإمام قام الوزراء والحاضرون، وأخذوا يصافحون النقيب وهم يقولون: نهنئك يا شيخ على هذه الشجاعة، مع أنه إذا تفوه أي واحد منا بمثل هذا الكلام لا يمكن أن يعيش لساعة واحدة، ولم نَرَ أحداً من أبناء الجنوب يقول للإمام مثلما قلت أنت. فرد عليهم الشيخ أحمد أبوبكر النقيب: أنا لم أقل إلا الصحيح ولا استحق التهنئة على هذا. وهكذا أفصح النقيب عن رأيه بكل جرأة وشجاعة ودون مواربة أو خوف من ردة فعل الإمام.

المرجع: شيخ الموسطة - نقيب يافع : الشيخ أحمد أبوبكر النقيب ..حياته واستشهاده في وثائق وأشعار، د.علي صالح الخلاقي، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 2007م.