د. علي صالح الخلاقي يكتب:
أهلاً وألف سَهلا .. في متحف المكلا
حينما مررت بجانب قصر السلطان القعيطي المعروف بـ(قصر المعين)، أثناء زيارتي للمكلا في ديسمبر 2016م بعد تحريرها من تنظيم القاعدة، تحسَّرت وتأوَّهت أسفاً على الحالة التي آل إليها هذا القصر التاريخي والمعلم الحضاري، الذي يقع عند بداية مدخل مدينة المكلا الرئيسي، المعروف قديما بـ (برع السدة )، والذي تحول فيما بعد إلى (متحف المكلا)، وقد بدت واجهاته وشرفاته الجميلة ونوافذه تشكو الإهمال، وكأنها تستغيث طالبة يد العون قبل فوات الأوان.
تذكرت تلك الانطباعات أثناء زيارتي للمتحف مؤخراً بمعية الصديقين قاسم ثابت العيسائي (أبو عادل) وعبدالرحمن عبدالقوي بن شيهون (أبو شعيب)، وبدت لنا من الوهلة الأولى يد الاهتمام من خلال بدء إعادة تشجير ساحة القصر التي كانت ذات يوم تزدان بالخضرة والورود وكذا في ملامح الترميم والصيانة التي شملت جزءاً من واجهات القصر الخارجية والداخلية، وهو الجزء الشرقي الذي يضم (متحف المكلا)، وبقي الجزء الآخر من القصر (الجزء الغربي) ينظر بعين الحسد لجاره (الشرقي) ويتمنى أن يحظى بمثل ذلك الاهتمام والعناية ويطلب العدل والمساواة، وهو ما نعتقد أنه أمر وارد في خطة إدارة المتحف التي يقف على رأسها الشاب النبيل رياض باكرموم مدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف بساحل حضرموت، وزميله الخلوق أحمد صالح الرباكي مدير دائرة الآثار والمتاحف في ساحل حضرموت، اللذان يمثلان ثنائياً رائعاً في الأداء المتناغم وتجمعهما حيوية الشباب وحماستهم وطبيعة تخصصهم كباحثين في التاريخ والآثار وهو ما انعكس في إعادة إحياء متحف المكلا برونقه الجديد وفتح أبوابه للزوار بعد قطعية سنوات والاستمرار بتطويره وإثراء محتوياته والسعي لاستكمال ترنيم ما بقي منه بدون ترميم حتى الآن.
لم أجد الفرصة خلال زياراتي السابقة لزيارة المتحف، ولم أسلم من عتاب صديقي باكرموم الذي يلّح علي في كل مرة بضرورة زيارة المتحف، لكنه كان يدرك ضيق الوقت المرتبط بمشاركاتي في ندوات أو مؤتمرات صباحية، فيما المتحف يغلق أبوابه ما بعد العصر وهو ما نأمل أن يُعاد النظر فيه، بحيث يفتح أبوابه لساعات إضافية في المساء لتتاح فرصة زيارته لعدد أكبر ممن تثنيهم أعمالهم عن زيارته في الفترة الصباحية.
وحين أتيحت لي الفرصة لزيارة المتحف الأسبوع الماضي توقعت لقاء الصديقين باكرموم والرباكي، لكنني فوجئت بعدم وجودهما، وعلمت إن الأول سافر إلى مصر في نفس يوم زيارتنا، والثاني ذهب في نفس اليوم إلى حضرموت الوادي، ومع ذلك فقد قابلتنا بصماتهما، وأناب عنهما في حُسن الاستقبال أمين المتحف الأستاذ ناصر محفوظ باني الذي رحب بنا بحرارة وكان نعم الدليل والمرشد لنا في صالات المتحف ومعه مرشدة المتحف سميّة اليزيدي التي التقطت لنا الصور التذكارية بعدستها.
طفنا في صالات المتحف التي تتوزع في طابقين من طوابق القصر الثلاثة، وتجولنا في سياحة تاريخية بدأت في صالات الطابق الأول، التي تضم آثاراً وقطعاً قديمة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، وفيها نقوش ومقتنيات من عهد مملكة حضرموت، وهناك قاعتان تحتويان على آثار خاصة بالعادات والتقاليد الحضرمية تعرض تلك الأدوات والأشغال اليدوية التي اعتمد عليها الإنسان الحضرمي في حياته ونشاطه الزراعي والاقتصادي قبل ظهور الصناعات المستوردة. أما الطابق الثاني فيضم الجناح السلطاني ويضم ثلاث قاعات أساسية، هي: "صالة العرش"، وتحتوي على العرش السلطاني، وفيها كان السلطان يستقبل الوفود الرسمية، وتجاورها "القاعة الحمراء"، المميزة بلون أثاثها الأحمر، وهي التي كان يجتمع فيها السلطان بمستشاريه وأعوانه للبتّ في شؤون الدولة، وقاعة الصور، وتحتوي على صور متعددة للسلاطين، وملامح من الحياة في فترة السلطنة القعيطية ومخطوطات قيّمة وتحفًا ثمينة وهدايا نفيسة جمعها السلطان من مختلف أنحاء العالم،كما تم استحداث قاعات جديدة في سطح القصر تطل على المدينة، وهي مخصصة لاستضافة الفعاليات والأنشطة الثقافية.
وفي الختام أنقل ما دونته في سجل زيارات المتحف بعد انتهاء جولتنا في صالاته المتعددة باسمي وباسم زميلا رحلتي، حيث كتبت:" زرنا متحف المكلا صباح اليوم 8مارس 2022م وسررنا جداً للشكل الذي وصل إليه بجهود القائمين عليه وعلى رأسهم الشاب النبيل رياض باكرموم الذي أحدث نقبة نوعية في المتحف سواء في إعادة ترميمه أو في إحياء ما يختزنه من محتويات وفتح المتحف أمام الزوار كأهم معلم ثقافي وحضاري في المكلا..تحية تقدير لكل العاملين الذين يستقبلون الزوار بترحاب وبشاشة".